صلاة الغائب على الإعلان الدستورى

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الخميس 22 سبتمبر 2011 - 10:20 ص بتوقيت القاهرة

كتبت فى هذا المكان قبل يومين تحت عنوان «العسكرى ينتهك الإعلان الدستورى» بتمديد حالة الطوارئ دون الحصول على موافقة المصريين فى استفتاء شعبى، إعمالا لنص المادة 59 من الإعلان الدستورى والتى تشدد على أنه فى جميع الأحوال لا يجوز أن تمتد حالة الطوارئ أكثر من 6 أشهر إلا بعد استفتاء شعبى.

 

وفى مساء اليوم ذاته أكد العلامة الدستورى المستشار طارق البشرى فى لقاء له على قناة الجزيرة مباشر هذا الكلام، وتناولت الصحف والأعمدة رأى المستشار البشرى وهو رئيس لجنة التعديلات الدستورية التى كلفها المجلس العسكرى بتعديل بعض مواد دستور 71، وفى نهاية المطاف أنتجت لنا إعلانا دستوريا جديدا من أكثر من 60 مادة.

 

إذن.. المجلس العسكرى انتهك الإعلان الدستورى بشهادة رئيس اللجنة المكلفة بصياغته، ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتعرض لها الإعلان الدستورى للخرق والانتهاك، بما يعنى أن هذا الإعلان لم يعد متمتعا بتلك القداسة التى يلوحون بها فى وجوه الجميع إذا أقدم أحد على طرح رأى أو رؤية تخص حالة التوهان والتخبط التى تعيش فيها مصر منذ ذلك الاستفتاء الذى انتهكت نتائجه وأهينت أكثر من مرة.

 

وبما أن الإعلان الدستورى بعد هذه الشهور تحول إلى ثوب ملىء بالثقوب والخروق، فإنه ليس عيبا ولا حراما أن يطالب أحد بجردة حساب للأداء الحكومى طوال الفترة الماضية، على ضوء مواد الإعلان وتطبيقاتها، ما يكشف بوضوح أنه لم يحترم حتى من الذين اعتبروا أنهم حماته والقائمون عليه، ومن ثم لا غضاضة على الإطلاق من استدراك ما وقع من أخطاء، ومعالجة ما أثبتت الأيام والأحداث أنه ثغرات وعيوب فى الصياغة.

 

وبهذه المناسبة أذكر أن تصريحات وتأكيدات عديدة صدرت فى الفترة الماضية عن وضع مبادئ عامة حاكمة يتوافق عليها الجميع بشأن وضع الدستور الدائم للبلاد تضمن مدنية الدولة وديمقراطيتها، وصون واحترام مبدأ المواطنة، وقد ثار جدل مجتمعى صاخب حول هذه المسألة يبقى منه أن الحكومة ممثلة فى نائب رئيس الوزراء الدكتور على السلمى، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة على لسان عدد من أعضائه، أكدا أن هذه المبادئ أو الضوابط ستتم صياغتها وإقرارها، إما فى صيغة إعلان دستورى جديد، أو بتوافق الأحزاب والقوى السياسية، علما بأن غالبية الأحزاب أعلنت تأييدها لهذه المبادئ، وإن تناوشت واختلفت حول بعض الكلمات مثل «المدنية» أو «الديمقراطية».

 

واللافت أنه بعد أيام طويلة من النقاش المحتدم لم يعد أحد يذكر هذه المبادئ أو يتحدث عنها، ولا نعلم ما مصيرها ولماذا أثيرت، ولماذا أغلقوا عليها الأدراج؟

 

غاية الأمر أننا نبدو وكأننا نعيش حالة من «السياسة المبسترة» ملفات تطفو على السطح وتفور حد الغليان، ثم يتم تغطيسها فجأة فى ثلوج الصمت، لتخرج ملفات جديدة يشتبك حولها الجميع ويتصارعون ويتطاحنون، ثم يجرى سحبها فجأة من فوق المسرح، انتظارا لخناقة أخرى ومعركة جديدة، وهكذا دواليك.

 

وكل ذلك يدور وهم يصرون على أن الإعلان الدستورى هو البوصلة وخارطة الطريق، بينما واقع الحال يقول إن هذا الإعلان فى ذمة التاريخ، ولم يبق إلا أن نصلى عليه صلاة الغائب.

 

إنا لله وإنا إليه راجعون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved