«رجيم» عبدالناصر.. وحراس المعبد!

خالد سيد أحمد
خالد سيد أحمد

آخر تحديث: الجمعة 22 سبتمبر 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

رغم مرور أكثر من عشرة أيام على إطلاق مذكرات عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، والتى صدرت عن «دار الشروق» بعنوان «كتابيه»، ووثقها وحررها بشكل احترافى الزميل خالد أبوبكر، مدير تحرير صحيفة «الشروق»، إلا أن الجدل حولها لم يهدأ، خصوصًا بسبب إحدى فقرات الكتاب، تناولت الزعيم الراحل جمال عبدالناصر. 

الفقرة تقول: «أذكر خلال فترة عملى فى سفارتنا فى برن أن الرئيس جمال عبدالناصر كان يهتم بنظام غذائه، ولذلك كان من يخدمونه يرسلون من وقت لآخر من يأتى له بأصناف معينة من الطعام الخاص بالرجيم من سويسرا. كانت أشياء بسيطة، وكان يأتى لإحضارها رجل ضخم الجثة، وكنت أنا المسئول عن تسليمها له». 

هذه الفقرة إضافة إلى ما جاء فى المذكرات عن تقييم موسى لعصر عبدالناصر، بكل ما زخر به من أحداث وقرارات وسياسات كانت فارقة فى تاريخ مصر والمنطقة العربية، فتحت «باب الحجيم» عليه من قبل العديد من الرموز الناصرية، التى وجهت انتقادات كثيرة لصاحب المذكرات، أقلها حدة يندرج تحت مظلة جرائم «السب والقذف»، وأكثرها تطرفا يصل إلى حد «اللى مبيحبش جمال عبدالناصر يشوف بلد غير البلد دى يعيش فيها»!.

شخصية عبدالناصر التى نعرفها تجعلنا لا نتصور أن يرسل لشراء طعام خاص بالرجيم من سويسرا، وإن كنت لا أمتلك معلومات موثقة توحى بغير ذلك، إلا أن السياق العام لحياة الزعيم الراحل وتواضعه واقترابه من الفقراء وحرصه على وضع قضية العدالة الاجتماعية على رأس أولوياته، تجعلنا على يقين بأنه حتى لو قام بهذا الفعل، فليس من قبيل البذخ أو الترف أو الرفاهية التى «يدمنها» ساكنى قصور الحكم، وإنما لضرورة صحية ملحة، لم يكن متاحًا تلبيتها فى ذلك الوقت إلا من «برن». 

القضية الأهم والأخطر التى فجرها هذا الجدل المثار، وتعتبر«بيت الداء المزمن» فى المشهد السياسى المصرى، هى محاولة البعض بلا غضاضة «تقديس الرئيس».. أى رئيس منذ ناصر وحتى السيسى، بشكل يصبح مجرد نقد مواقفه وقراراته أو حتى تقييم سياساته، نوعًا من «الكفر البواح» الذى يجب معاقبة صاحبه عليه بلا رحمة، بل إن البعض لم يكتفوا بهذا فقط، بل جعلوا من أنفسهم حراسا لما يتصورون انه «معبد الرئيس» الذى لا ينبغى لأحد الاقتراب منه بأى شكل من الأشكال، ومن يجرؤ على الاقتراب فعليه تحمل العواقب التى تكون فى أغلب الأحيان «غير آمنة».

شاهدنا ذلك كثيرا مع البعض من مؤيدى عبدالناصر، الذين لا يتقبلون أى رأى معارض له، وما ان يصدح به صاحبه، حتى يتم التشكيك فى وطنيته وأخلاقه، كما شاهدناه مع الرئيس الرحل أنورالسادات، الذى كان المحيطون به يضفون عليه هالة كبيرة من الإيمان ويلقبونه بـ«الرئيس المؤمن»، وشاهدناه مع مبارك، حيث كان مؤيدوه يختزلون الوطن كله فى شخصه، ويكتبون يوم عيد ميلاده «يوم أن ولدت مصر.. من جديد»، ورأيناه أيضا مع أنصار مرسى، الذين لم يجدوا غضاضة فى القول إن «الرئيس الأسبق يؤم الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ فى الصلاة»، وهو ما يجعله ــ من وجهة نظرهم ــ محصنا من النقد.

ما حدث مع الرؤساء السابقين، يحدث أيضا مع الرئيس السيسى، حيث نجد بعض علماء الدين يقولون إنه «مؤيد من الله»، كما أننا نجد من يكتب بالصحف: «الرئيس السيسى ولد ساجدًا.. وأن سيد الخلق زاره فى المنام منذ أن كان طفلا». 

الرئيس ــ أى رئيس ــ ليس «قدس الأقداس»، ونقد سياساته وتقييم عصره ليس «ذنبا عظيما»، طالما كان ذلك يحدث بلا تجاوز وفى إطار من الاحترام والالتزام بالقانون، والرد على آراء المخالفين أو المعارضين، لا ينبغى أن يكون بالنهش فى الأعراض أو التشكيك فى الانتماء الوطنى، وإنما عن طريق مواجهة المعلومة بالمعلومة والرأى بالرأى الآخر، حتى لا نواصل بناء معابد لأشخاص وحراستها، ثم نفاجئ بسقوطها بلا مقدمات!.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved