العالم ينهزم أمام الإرهاب

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الخميس 22 ديسمبر 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

لا يريد عام 2016 أن يفارقنا قبل أن يبهرنا بأحداثه غير المسبوقة، نجلس فى بيوتنا نعبث بهواتفنا لنرى عملية اغتيال كاملة على الهواء يُخرج القاتل التركى الأنيق مسدسه ويقتل به السفير الروسى فى تركيا ويخطب فينا ووراءه خلفية بيضاء تظهر بها لوحات للفن التشكيلى فى مشهد سريالى وهو يهتف (نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد، لا تنسوا حلب وسوريا، كل من له يد فى هذا سيدفع الحساب، لن أخرج إلا ميتا، ما لم تكن بلادنا فى أمان فإنكم أيضا لن تذوقوه).


فى نقطة أخرى من العالم كان هناك قاتل قرر إطلاق النار على مركز إسلامى فى ألمانيا وأتبعه قاتل آخر قرر دهس الأبرياء بسيارته فى ألمانيا أيضا وقبلهم كان هناك قاتل فى مصر قرر تفجير دور للعبادة (الكنيسة البطرسية) ليغتال أرواحا بريئة أتت للصلاة ما بين نساء وأطفال كان آخرهم الطفلة ماجى ذات العشر سنوات، وبينما شيعت جنازة ماجى بالملابس البيضاء كان أهل حلب فى سوريا ينشدون مقاطع التغريبة الجديدة عن مدينتهم وهم ينتظرون عمليات الإجلاء التى تتحكم فيها الميليشيات الطائفية الموالية لنظام بشار.


قم بتجميع المشاهد جنبا إلى جنب لتخرج لك لوحة دامية تتشح بالسواد تصف شكل العالم الجديد الذى سقط صريعا تحت أقدام الإرهاب الذى تمارسه سلطة أو فرد أو جماعة لكن نتائجه واحدة فى النهاية ويدفع ثمنها الأبرياء الذين لم يكونوا يوما طرفا فى هذه الصراعات.


***


هناك رابط وثيق يربط هذه الأحداث وبالعودة إلى تعريف علم الاجتماع السياسى للإرهاب يتضح الرابط (الإرهاب هو كل تصرف أو سلوك بشرى ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية بما فى ذلك الإكراه والأذى الجسدى والاستخدام غير المشروع للسلاح وتقنيات التعذيب التقليدية والحديثة المخالفة لحقوق الإنسان الأساسية التى أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية فى التعامل مع إدارة العلاقات الإنسانية بما فى ذلك الاختلافات فى المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بهدف تحقيق غايات فى تلك المجالات تتراوح بين الإخضاع والضغط والتعديل والتهميش والإقصاء وقد يطال آخرين غير مستهدفين، هذا السلوك البشرى القسرى غير السلمى يحدث بين الأفراد أو الجماعات أو السلطات بعضها تجاه بعض داخل مجتمع معين أو بين مجتمعات معينة وعناصر معينة ويتولد أساسا من تقاطع أو تداخل أو تضافر عناصر من بيئات مختلفة).


***


فى تقرير صادر فى منتصف السبعينيات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أسباب الإرهاب من مدخل اقتصادى واجتماعى قال التقرير أن أهم هذه الأسباب هى:


1ــ استمرار وجود نظام اقتصادى دولى جائر يمكن أن يقود إلى خلق حالة من الغضب والعداء المستمر بين مختلف شعوب العالم.
2ــ الاستغلال الأجنبى للموارد الطبيعية الوطنية والذى يمكن أن ينتج بفعل ظاهرة التبعية.
3ــ تدمير ما لدى بعض البلدان من سكان وأحياء ووسائط نقل وهياكل اقتصادية.
4ــ الظلم والاستغلال السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
5ــ الفقر والجوع والشقاء وخيبة الأمل أو الإحباط.
6ــ تدهور البيئة الاقتصادية الدولية وهيمنة الدول الكبرى على الاقتصاد العالمى.


رغم مرور عدة عقود على هذا التقرير السابق مازالت بنوده تتكرر لتنتج موجات وأجيالا جديدة من الإرهابيين يحمل كلُ منهم مبرراته ودوافعه. المأساة الكبرى أن بيننا الآن من يخلط بين تفهم دوافع الإرهاب وبين من يفرحون به ويتعاطفون معه تحت أى دعوى، لن ينتصر العالم على الإرهاب وهو يبرر بعض الجرائم ويدين أخرى، لا يجب أبدا تبرير الجريمة أيا كان مرتكبها دولة أوفرد أو جماعة وينطبق هذا على ممارسات الأنظمة ضد شعوبها وممارسات الدول الكبرى ضد البلاد الأضعف، ازدواجية المواقف تعطى للإرهاب شرعية وتوسع دائرته، تجفيف المنابع الفكرية خطوة أساسية لا يمكن القفز عليها وهى عملية لا تتم إلا فى مناخ حر ومفتوح ينقح الأفكار ويفند الحجج ويرتب العقل الإنسانى ويعيده لفطرته السليمة، كذلك تجفيف المنابع الإعلامية للإرهاب وتجريم المنابر الإعلامية التى تحض على الكراهية وتنشر خطابات التحريض والتمييز، هناك إعلاميون قادوا شعوبهم لمجازر وحروب إبادة وانتهاكات بالغة لحقوق الإنسان عبر تحريضهم السافر وشحنهم للمجتمع، وتأتى المواجهة القانونية لتمثل حماية للمجتمع وردع لكل من تسول له نفسه ترهيب الناس وإخضاعهم لمشاعر الخوف والفزع، بالتوازى مع كل ذلك المواجهة الأمنية المهنية المعنية باستقراء المستقبل وتحليل الواقع.


سيتوقف الإرهاب إذا نزع العالم عنه مبرراته وقلص أسبابه، لكن المثير للدهشة أن العالم يخلق كل يوم آلاف المبررات والدوافع للإرهاب ثم يشتكى من ضرباته!


اليأس والشعور بالإحباط سبب رئيسى لممارسة الإرهاب، كم بائسا ومحبطا اليوم فى العالم بأسره؟ نجنى على أنفسنا حين نقوم بالاجتزاء فى تحليل أسباب الإرهاب، فلا نرى إلا ما نحب أن نراه بينما نتغافل عن أسباب أخرى كثيرة لا نريد أن نواجه بها أنفسنا.
تخيل أن العالم اليوم يريد محاربة الإرهاب وعلى رأس أكبر دولة فى العالم شخص مثل ترامب الذى يمثل بخطابه وأفكاره إلهاما لكل المتطرفين والإرهابيين فى العالم بينما هو يعتقد أن خطابه وآراءه الصادمة هى التى ستقضى على الإرهاب، ومثل ترامب ستجد حكاما وأنظمة يسلكون نفس الاتجاه الخاطئ.

***


العالم مدينة كبيرة واحدة شظايا الانفجار فى أى ركن فيها تطال الجانب الآخر، فليرحمنا الله مما هو آت، وليردنا جميعا إلى إنسانيتنا.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved