بعد ستة أعوام.. كيف نقيم ثورة يناير؟

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 24 يناير 2017 - 3:21 م بتوقيت القاهرة

لا أظن أن فى الشعب المصرى من لم يدفع ثمنا ما خلال السنوات الست الماضية من جراء الأحداث والصراعات والأزمات التى مر بها البلد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير. الثمن اختلف بالتأكيد من شخص إلى آخر ومن مجموعة إلى أخرى. هناك من ضحوا بحياتهم دفاعا عن حق أو مبدأ أو أمن الوطن وسلامة مواطنيه ولا يزالون يعرضون أنفسهم للموت كل يوم، وآخرون فقدوا عيونا وأقداما وسواعد، وأعداد غفيرة وقعت تحت طائلة قوانين غامضة ومحاكمات جائرة وصراعات سياسية تلفحت برداء قانونى، وأكثر منهم تعرضت تجارتهم للتعثر وأعمالهم للاضطراب ووظائفهم للضياع، وعائلات ودعت أبناءها الباحثين عن وطن بديل. ومن لم يفقد حياته أو حريته أو تجارته، خسر أصدقاء وجيران وأقارب بسبب الخلافات التى قسمت الوطن إلى جبهات متناحرة.

فإذا أضفنا إلى ما سبق ما يمر به البلد من أزمة اقتصادية، واحتقان سياسى، وإرهاب، فإن السؤال يثور حتما عما إذا كانت ثورة يناير نعمة أم نقمة، انتصارا لارادة الشعب أم مؤامرة على البلد، خطوة للأمام فتحت أبواب الحرية والمساواة والعدالة أم نكسة لمسيرة إصلاحية تدريجية كان يمكن أن تفضى إلى نتائج أفضل من الوضع الراهن.

ولكن فى تقديرى أن هذه الأسئلة ليست ملائمة لفهم ما جرى فى مصر خلال السنوات الست الماضية، ولا للحكم الموضوعى على ثورة يناير. فالثورات الشعبية، خاصة حينما تفتقد لقيادة منظمة، لا تقاس بما تحققه من نتائج مباشرة فى الأجل القصير لأنها فى جوهرها لا تكون عملا واعيا ومدروسا، بل تحول مفاجى وغير محسوب العواقب، يعبر عن خلل بالغ فى المجتمع وعن يأس من الاصلاح التدريجى، وعن بلوغ التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مرحلة الانفجار. وهذا ما كانت عليه مصر فى يناير ٢٠١١.

اندلاع الثورة إذن لم يكن صوابا أو خطأ، بل كان حتميا. ولهذا فبغض النظر عما أسفرت عنه من مكاسب وخسائر فإن ثورة يناير سوف تظل تعبيرا عن لحظة اختار الشعب فيها أن يكسر القيود المفروضة عليه، ويحلم بالتغيير، وينزع عن نفسه الخوف والسلبية، وينزل للشارع مطالبا بالحرية والمساواة والعدالة. وإذا كانت هذه المطالب والأحلام تبدو اليوم بعيدة المنال لأسباب كثيرة لا يتسع المجال هنا للخوض فيها، فإن هذا لا يعنى إنكار حقيقة نزول الملايين إلى الشوارع والميادين، ولا اعتبار ما جرى مؤامرة خارجية، ولا الحط من شأن التضحيات التى بذلها الشعب المصرى ودفع ثمنها غاليا.

فهل ذهبت كل هذه التضحيات هباء؟ لا أظن ذلك. فعلى الرغم من كل المصاعب والتحديات، إلا أن مصر اليوم بالتأكيد ليست مصر ما قبل يناير، بل لدينا تجربة قاسية وثرية تعلمنا منها الكثير ولن تذهب أدراج الرياح. لدينا معارك انتخابية عديدة خاضها الشعب بحماس وتعلم منها الكثير، وتجارب حزبية دفعت بجيل جديد للعمل السياسى، ودستور جيد يمكن البناء عليه مهما تجاهلته الدولة، وشرعية دستورية مستندة على الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو معا، ولدينا حراك مستمر في مجتمع يبحث عن طريق الخروج من الأزمات الراهنة، ولدينا شباب لا يزال متمسكا بحقه في الحرية وفي احترام القانون، وأخطاء ارتكبتها كل التيارات السياسية وتعلمت منها، ولدينا مبدعون يجدون لأنفسهم مسارات جديدة كلما حاولت الدولة تأميم ومصادرة قنوات التعبير والابداع، ولدينا شعب صبور وحمول وقادر على تجاوز كل الأزمات ولكن له مطالب مشروعة يجب تلبيتها. 

ولكن إن كان التغيير حلما راود الشعب منذ ستة أعوام وتعرض لانتكاسات كثيرة، فإن هذا لا يعني أنه لن يتحقق إلا بثورة جديدة ونزول جديد للشوارع والميادين، بل التغيير متاح وضروري ولكن بوسائل وأدوات مختلفة، تسعى لتلبية آمال وتطلعات الشعب المصري ولكن تحترم في الوقت ذاته رغبته في الأمن والاستقرار والاصلاح التدريجي. والنضال لتحقيق صالح الوطن والمواطنين لا يكون فقط بشجاعة الوقوف في الشارع بل بالصبر والعمل الدؤوب والتمسك بالبقاء والاصرار على بلوغ الهدف ولو بعد حين، والاستعداد للتفاوض وتحقيق التقدم خطوة بخطوة.

الشعوب تختلف على تاريخها ولكنها لا تنكره. وثورة يناير جزء من تاريخنا المعاصر المشترك كما أنها الأساس الذي تنهض عليه دولتنا اليوم ودستورها وشرعيتها. وكلما نجحنا في طي صفحة الخلاف والصراع حولها كلما بدأنا في بناء توافق جديد يسمح للبلد بالتقدم وتجاوز أزماته الاقتصادية والسياسية والاصطفاف في مواجهة الإرهاب بدلا من الاستمرار في حالة الانقسام الراهنة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved