القمة العربية الاقتصادية..نجاحها أو فشلها بما تحققه من نتائج لا ما تصدره من قرارات

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 23 فبراير 2009 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

 تعليقي على القمة العربية الاقتصادية في عدد سابق من جريدة "الشروق" بأنها كانت قمة فاشلة، استند إلى ما اعتبرت أنه أسباب هيكلية، ما كان بمقدور منظمي القمة – مهما كانت نواياهم صادقة وجهودهم مخلصة – أن يتجنبوها لأنها تتعلق بخلل جوهري في التعامل مع المسألة الاقتصادية في الوطن العربي.


وقد أسعدني مع ذلك الرد المنشور من السفيرة والوزيرة السابقة السيدة/ ميرفت تلاوي بصفتها المنسق العام للقمة الاقتصادية التي انعقدت في الكويت، أولا لما أكنه لها ومعي الكثيرون من تقدير بالغ واحترام لجهودها وجدها في التعامل مع كل ملف تولته، سواء في وزارة الشؤون الاجتماعية أم في رئاسة منظمة "إسكوا" أم في الإعداد للقمة الاقتصادية أم في غير ذلك من الموضوعات، وكذلك لأنه رد يفتح المجال للتعمق في قضية تتجاوز في أهميتها بكثير مسألة نجاح القمة أو فشلها، وهي قضية التكامل الاقتصادي العربي.


ووجه الخلاف في الموضوع – الذي لا يفسد للود والاحترام قضية – هو أن السيدة/ ميرفت تلاوي تقيس نجاح القمة بما تم إعداده لها من أوراق علمية ودراسات، وكذلك بما خرج عنها من قرارات، وأخيرا بما اتخذته من مواقف لتأييد الشعب الفلسطيني في غزة، بينما وجهة نظري أن هذه كلها ليست مؤشرات نجاح، وأن هذا النجاح على أي حال ما كان ممكنا لأسباب موضوعية تمنع من التوصل إلى نتائج إيجابية تعقدها أي قمة اقتصادية عربية.


فالقمم الاقتصادية لا يقاس نجاحها بما يعد لها من دراسات وأبحاث وأوراق تحضيرية، وإنما بما يمكن أن تحققه من نتائج. والنتائج، من جهة أخرى، أيضا ليست دليل نجاح، إلا متى كانت قابلة للتحقيق وقادرة على تجاوز الفعل إلى العمل.

لذلك فإن القول بأن القمة قد حققت نتائج إيجابية لأنها أصدرت قرارات في أحد عشر موضوعا (الأزمة المالية العالمية، الربط الكهربائي، الربط البري والسكك الحديدة، الأمن الغذائي، الأمن المائي، الاتحاد الجمركي، البطالة، الفقر، التعليم، دور القطاع الخاص، منظمات المجتمع المدني) لا يعني الأمر الكثير لأن معظم هذه القرارات لن يضيف جديدا إلى الواقع الاقتصادي العربي، بل أن أحد أسباب انتقادي للقمة أنها سعت للتطرق إلى كل المواضيع الممكن تصورها بدلا من أن تحدد لنفسها هدفا واحدا محددا قابلا للتحقيق.

ما الذي سوف تحققه هذه القمة من تقدم حقيقي في مسألة التعليم؟ أو في حل مشكلة البطالة؟ أو في تطوير دور القطاع الخاص؟ ولماذا نعتبر أن الحديث عن موضوع أو إصدار قرار بشأنه يساهم في إيجاد الحل؟ ولماذا نعتبر أنه كلما تطرقت قمة عربية لموضوعات أكثر عددا كلما كانت أكثر نجاحا؟ لماذا نقبل استبدال الحل بالحديث عنه؟


لذلك، ومع تقديري البالغ لشخص وجهد وإخلاص السيدة الفاضلة/ ميرفت تلاوي، فلا أملك إلا الإصرار على أن القضية تتجاوز بكثير فشل قمة اقتصادية أو مؤتمر قمة عربي. القضية الأهم في تقديري أن فشل القمة العربية الأخيرة تعبير جديد عن أزمة أكبر تواجه الجامعة العربية ومؤسساتها وأجهزتها بشكل عام، وهي استبدال التعامل مع القضايا بالحديث عنها، من القضية الفلسطينية، إلى الوفاق العربي، إلى التنمية الاقتصادية، إلى القضايا الاجتماعية، وغيرها من القضايا.


أما في موضوع التكامل الاقتصادي العربي، فإن الاعتقاد بإمكان دفعه أو التقدم به عن طريق عقد قمة هو المدخل الذي لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج مفيدة. فالتكامل العربي غير ممكن في الظروف الحالية لأن البنية الهيكلية للصادرات والواردات العربية متشابهة في معظم الأقطار وبالتالي فإن ارتباطها جميعا بالاقتصاد العالمي أكثر من قدرتها على الارتباط إقليميا.

والتكامل العربي الاقتصادي غير ممكن في ظل تنافر وتناحر سياسي وإعلامي بين الدول العربية على نحو لا يؤدي إلى إيجاد مناخ ملائم لحوار اقتصادي مفيد. والتكامل الاقتصادي العربي يقف عائقا أمامه تباين الهياكل الاجتماعية للأقطار العربية على نحو يجعل من الصعب الاتفاق حتى على أولويات العمل العربي المشترك، ناهيكم عن وضع برامج قابلة للتطبيق.

والتكامل العربي في المجال الاقتصادي يصعب تصوره في ظل عدم وضوح العلاقة بين دور الدولة دور القطاع الخاص ودور منظمات المجتمع المدني ودور نقابات العمل في مختلف الأقطار العربية بحيث صار من غير الواضح من الذي يخطط، ومن الذي ينفذ، ومن المستفيد من القرارات التي تصدرها القمة العربية.

التكامل الاقتصادي العربي، بقدر ما يعبر عن أمال وأحلام الحريصين على وحدة الأمة العربية وعلى تقارب شعوبها، فإنه ليس هدفا في حد ذاته، وإنما وسيلة لتحقيق مصلحة الأمة وشعوبها ومواطنيها بما يؤدي إليه من زيادة في التجارة والاستثمار والعمل وما يؤدي إليه من صهر مصائر ومصالح الشعب العربي في مختلف الأقطار.

ولكن هذا التكامل الاقتصادي لن يجد طريقه من خلال مؤتمرات قمة عربية، ولن يساهم في تحقيقه إعداد الأبحاث ولا إصدار القرارات غير القابلة للتطبيق، لأن مدخله الحقيقي هو المزيد من الحوار والعمل بين مستثمري الوطن العربي، وبين منظماته المدنية، وبين نقاباته العمالية. أما ما تم بذله من جهد في الإعداد لقمة الكويت فعلى السفيرة/ ميرفت تلاوي المنسق العام للقمة أن تفخر به، ولها أن تستحق عليه الثناء والتقدير بغض النظر عن نجاح القمة أو فشلها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved