نزاهة الوظيفة العامة أهم من مرتبها

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 23 أبريل 2018 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

ليس غريبا أن تتحول مناقشة قانون زيادة مرتبات الوزراء إلى مصدر للخلاف والغضب فى المجتمع، ليس لأن الزيادة التى أقرها البرلمان هائلة ولا لأنها سوف تؤثر على عجز الموازنة أو حجم الدين العام، بل لأنها جاءت فى أعقاب ارتفاعات غير مسبوقة فى الأسعار خلال العامين الماضيين لم تواكبها زيادات مماثلة فى دخول الغالبية الساحقة من المواطنين سواء فى القطاع العام أم الخاص. ولهذا كان رد الفعل السلبى فى الشارع المصرى لهذا الموضوع معبرا، فى تقديرى الخاص، عن استياء عام من الحالة الاقتصادية ومن الغلاء والبطالة أكثر مما كان معنيا بمرتبات الوزراء.

ولكن للأسف إن الغضب الذى أثاره القانون صرف الأنظار عن القضية الأكثر أهمية، وهى النزاهة التى يجب أن يتحلى بها العمل العام اجمالا والمنصب الوزارى بوجه خاص، والضوابط التى ينبغى أن تتخذ أساسا لمحاسبة الوزراء، وتجعلهم فى كل وقت فوق مستوى الشبهات، وتمنع تعارض مصالحهم الخاصة مع متطلبات المنصب العام.

حتى عام ٢٠١٣، لم يكن فى مصر إطار قانونى واضح وفعال لتجنب تعارض المصالح الخاصة لشاغلى المناصب العليا فى الدولة مع مقتضيات الوظيفة العامة، باستثناء بعض النصوص العامة فى الدستور السابق والمواد العتيقة فى قانونى الشركات والخدمة المدنية. وقد سنحت لى الفرصة عام ٢٠١٣ للتقدم بمشروع قانون حظر تعارض مصالح كبار مسئولى الدولة إلى حكومة الدكتور حازم الببلاوى أثناء عضويتى بها، وقد أقرته بالفعل وأصدره السيد رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور بالقانون رقم ١٠٦ لسنة ٢٠١٣ فى نوفمبر من نفس العام.

وباختصار شديد فإن مضمون القانون هو إلزام شاغلى المناصب العليا فى الدولة، رئيس الجمهورية والوزراء والمحافظون ورؤساء الهيئات العامة ونوابهم ومساعدوهم ومستشاروهم، بالفصل التام بين مصالحهم الخاصة وبين المصلحة العامة التى يسهرون على حمايتها، وتحديد الحالات التى يمكن فيها تنظيم مثل هذا التعارض وتلك التى يلزم فيها على المسئول أن يتخلى إما عن نشاطه الخاص أو عن منصبه العام. وأهمية مثل هذا القانون ليست فقط فيما يمنعه من جرائم الاستغلال والتربح من الوظيفة العامة، بل فيما يقيمه من حدود واضحة بين ما هو مشروع وما يخالف القانون، فلا يصبح هناك مجال للاجتهاد أو التقدير، فتكون محاسبة الوزراء والمسئولين وفقا لمعايير موضوعية، وهذا ما يحافظ على ثقة المواطنين فى اجهزة الدولة، ويحمى هيبة المنصب العام.

ولكن ان كان القانون قد صدر بالفعل عام ٢٠١٣، فما المشكلة؟ المشكلة أن هذه الخطوة الأولى لم تلحقها الخطوات التالية لاستكمال الجهد وتحقيق النتائج المرجوة، بل توقف الاهتمام بالموضوع مع صدور القانون كما يحدث مع الكثير من المبادرات والسياسات التى ترتبط بأشخاص وتختفى برحيلهم. والقانون
الذى أشرت اليه كان المفروض أن تصدر له لوائح وقرارات تنفيذية ولكنها لم تصدر.

وكان المفروض أن تتشكل بموجبه لجنة باسم «لجنة الوقاية من الفساد» لتراقب تطبيقه ولكنها لم تتشكل. وكان ينص على قيام كبار المسئولين الحكوميين بتوفيق أوضاعهم وفقا لأحكامه خلال ستة أشهر من صدوره، ولكنها مرت مرور الكرام. والاهم من كل هذا انه كان يفترض أن يمهد لصدور مجموعة من القوانين المماثلة التى تستهدف تنظيم تعارض المصالح فى جهات أخرى بالدولة، على رأسها الهيئات القضائية والأجهزة الرقابية والبرلمان والمجالس المحلية وغيرها، وكلها خاضعة لنصوص قانونية تقليدية وغير كافية للتعامل مع طبيعة وتعقيد المصالح الاقتصادية المعاصرة، ولكن توقف الامر عند هذا القانون اليتيم.

الأهم من الخلاف الحالى حول مرتبات الوزراء والمحافظين هو الحفاظ على نزاهة الوظيفة العامة. ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا باستكمال منظومة تنظيم وتجنب تعارضالمصالح فى مختلف المواقع والمناصب وغلق المساحات الرمادية التى تمكن من يسعى لاستغلال منصبه من انتهاز فرصة غياب الضوابط والقواعد الواضحة، وتمنع الحريص على سلامة تصرفاته من التمتع بحقوقه المشروعة خوفا من الوقوع فى الخطأ. ولنتذكر أن المكسب الذى يعود على الاقتصاد القومى وعلى المجتمع من حماية نزاهة الوظيفة العامة أكبر بكثير من أى زيادة فى مرتبات الوزراء والمحافظين.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved