عن أهل الشر مجددًا

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الإثنين 23 مايو 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

كغيرها من الحكومات السلطوية، لا تقوى الحكومة المصرية على إدارة شئون البلاد دون تورط ممنهج فى صناعة الأعداء المتوهمين.


كغيرها من الحكومات السلطوية، تستدعى الحكومة المصرية أعداء الداخل والخارج المتوهمين لكى تبرر تارة إخضاعها العنيف للمواطن والمجتمع، وثانية اغتيالها المعنوى للمعارضين وممارساتها القمعية التى تحول البلاد إلى جمهورية للخوف، وثالثة لتحميل المسئولية عن الأزمات المتتالية لأطراف غيرها وتدفع عنها من ثم صفات الفشل والتقييمات السلبية، وتارة أخيرة لتعبئة الناس وحشدهم للاصطفاف خلف الحاكم والحكومة دون وعى نقدى وفى ظل تغييب شبه كامل للمعلومات والحقائق (عن قضايا حقوق الإنسان والحريات وتفاصيل أدوار وموازنات المؤسسات النظامية، وقضايا أخرى).


خلال السنوات الثلاث الماضية، تقلبت المفاهيم والمقولات الموظفة فى الخطاب الرسمى لصناعة الأعداء (من تحديد هويتهم إلى الإطلاق الجزافى لاتهامات الخيانة والتآمر والإضرار بالمصالح الوطنية). من أوهام الخلايا النائمة والطابور الخامس وحروب الجيل الرابع بين ٢٠١٣ و٢٠١٥ إلى أهل الشر فى ٢٠١٦ لم تختلف هوية المصنفين«كأعداء للوطن» الذى تختزله السلطوية فى حاكم وحكومة ومن يصطف خلفهم فى حشود دورها الوحيد هو التأييد، خليط من الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية التى لا تريد «لمصر الاستقرار والتقدم» وتسعى «لهدم الدولة» والقضاء على التماسك المجتمعى.


غير أن توظيف مفاهيم ومقولات الخلايا النائمة والطابور الخامس وحروب الجيل الرابع كان يستلزم من الحكومة ومن القائمين على الخطاب الرسمى (من رأس السلطة التنفيذية إلى بقية المسؤليين فى السلطات العامة والمؤسسات والأجهزة الحكومية) تقديم بعض «الكلمات والعبارات» الإضافية للرأى العام لكى لا يتخلف الناس عن مسايرة صناعة الأعداء وقبول تصنيفاتها.


فالدفع بوجود «خلايا نائمة» تطلب تعيين«الخلايا اليقظة»، فجاء التصنيف العبثى بكل تأكيد للأصوات الليبرالية التى رفضت دون معايير مزدوجة الخروج على الإجراءات الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان كخلايا نائمة لخلايا الإخوان اليقظة.


وحديث «الطابور الخامس» المستدعى من سياق تاريخى ومجتمعى شديد البعد عن السياق المصرى فى السنوات الثلاث الماضية (الحرب الأهلية الإسبانية فى ثلاثينيات القرن العشرين والصراع بين القوى الرجعية والفاشية المحتكرة للدولة وبين تيارات تقدمية وديمقراطية) احتاج إلى الكثير من «الإقحام» على مصر.

فرتب التصنيف (العبثى أيضا) للأصوات المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات كطابور خامس، والذى أرادته الحكومة كسياق لإلصاق صفات التآمر بهم ودليلا على خيانة متوهمة وسياقا لإلصاق صفات التآمر، الإدانة الأخلاقية والسياسية للحكومة التى ألصقت هى بنفسها ومسئوليها صفات الرجعية والفاشية (شأنها شأن الحكومة الفاشية للجنرال فرانكو فى إسبانيا الحرب الأهلية التى اعتبرت التقدميين والديمقراطيين خونة ومتآمرين.


ومفهوم «حروب الجيل الرابع»، وبعيدا عن غياب الجدية العلمية والفكرية عنه تماما مثلما يخلو من القراءة الواقعية لأحوال السياسة وثنائيات التعاون والتنافس بين الدول والحكومات، فرض على القائمين على الخطاب الرسمى وخبرائهم الاستراتيجيين والأمنيين صياغة بعض «الكلمات والعبارات» لجهة تعيين هوية الأطراف الضالعة فى هذه الحروب وأهدافهم والتكتيكات والاستراتيجيات التى يستخدمونها ومعايير تقييم النصر والهزيمة. ولأن المعنى والمضمون لا حضور لهما فى سياق حديث «حروب الجيل الرابع»، لم يأت توظيف المفهوم وصياغة كلمات وعبارات «الخبراء» بالكثير من الإدانة لمن أرادت الحكومة تصنيفهم كأعداء الوطن فى الداخل والخارج الضالعين فى شن الحروب عليه.


أما مفهوم اليوم، أهل الشر، فلا يتطلب شرحا أو تفسيرا أو كثير الكلمات والتيارات. فهم يقفون فى مواجهة أهل الخير، هم يريدون الخراب بينما أهل الخير يريدون إنقاذ الوطن، هم يتآمرون وأهل الخير يقفون لهم بالمرصاد مؤيدين سماويا ووطنيا. هكذا يدان كل معارض للحكومة بخليط من التوظيف الزائف للدين والوطنية، هكذا دون إضافات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved