دولة الأكراد.. الكابوس القادم

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: السبت 23 سبتمبر 2017 - 8:25 م بتوقيت القاهرة

نشرت جريدة عكاظ مقالا للكاتب «خالد عباس طاشكندى» جاء فيه: يبدو أن منطقة الشرق الأوسط الموعودة بالأزمات والكوارث السياسية المتلاحقة والممتدة، على شفا كارثة جديدة مع حالة العناد وإصرار إقليم كردستان العراق على إقامة استفتاء انفصال الإقليم خلال الأيام القادمة، لتحقيق حلم لم يتحقق منذ فجر التاريخ وعلى مر العصور فى إقامة أول دولة مستقلة للقومية الكردية، وهو ما سيشعل سلسلة أزمات ستمتد بين أربع دول تتقاطع بينها الأقاليم والتجمعات الكردية (العراق وسوريا وتركيا وإيران)، وتشترك فى ذات النزعة الاستقلالية للكرد التى تنامت على مر العقود الأخيرة بسبب القوى الاستعمارية الغربية التى خلفت لنا هذه الأزمة التاريخية، وأوقعت المنطقة فى تبعاتها وتداعياتها حتى أصبحت كالبركان القابل للانفجار فى أى لحظة دون أن تكون لدول المنطقة وشعوبها اليد الطولى فى هذا الخلاف وكوارثه المتعاقبة.

فبعد الحرب العالمية الأولى واتفاقية سايكس ــ بيكو التى شكلت دول المنطقة على أساس قومى، أعطت القوى العظمى آنذاك الوعود بإقامة دولة مستقلة للأكراد فى معاهدة سيفر 1920 تتم على مراحل وصولا إلى ما يسمى حق تقرير المصير، وكان الرئيس الأمريكى وودرو ويلسون وحزبه الديموقراطى داعما قويا لاستقلال الأكراد فى تلك المعاهدة، ولكن بعد انتهاء فترته الرئاسية الثانية عام 1921 ووصول الحزب الجمهورى الأمريكى للحكم برئاسة وارن هاردنج تراجعت الاهتمامات السياسية الأمريكية بالإبقاء على معاهدة سيفر، كما مالت المصالح الأنجلو ــ فرنسية إلى تحقيق مطالب مصطفى كمال أتاتورك فى تثبيت سيطرة الحكومة التركية على أجزاء كبيرة مما تبقى من أراضى الإمبراطورية العثمانية، ومن بينها الأقاليم والمناطق الجبلية التى تقطن بها أغلبية كردية، وبالتالى نقضت الاتفاقية وحلت بديلا عنها معاهدة لوزان عام 1923 التى قسمت كردستان بين أربع دول، متسببة فى تشظى الأمة الكردية وتفتت ثقافتهم ولغتهم وتراثهم، وإثارة حالة من الغليان لدى القوميين الأكراد المقسمين فى هذه الدول.

واستمر نكء الجراح الكردية وصب الملح عليها بعد ذبول دور القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتلاها صعود دور قوى عظمى أخرى فى المنطقة وهى الولايات المتحدة وروسيا اللتان استغلتا طموح الأكراد فى الاستقلال كأداة لتحقيق مصالحها فى المنطقة، إذ تحالفت مع الحركات الكردية فى دول وضدها فى دول أخرى، كما حصل مع أكراد العراق وأكراد إيران، بالإضافة إلى دعمها الأطراف المتنافسة داخل الكيان الكردى، كما حدث بين الحزب الوطنى الكردستانى بقيادة جلال طالبانى ضد الحزب الديموقراطى الكردستانى الذى يترأسه مسعود برزانى لإشعال الصراعات بينهما بما يحقق المصالح السياسية للقوى العظمى والإقليمية.

وسبق كل هذا، صراعات تاريخية قديمة خاضها الأكراد الذين يعدون من أقدم الشعوب التى سكنت الشرق الأوسط إلا أنهم أخفقوا منذ أن عرفهم الآشوريون باسم «كوردو» حتى يومنا هذا فى بناء دولة لهم، وتعود أبرز الأسباب فى ذلك إلى طبيعة المناطق الجغرافية التى توزعت فيها الإثنية الكردية بالقرب من المناطق الرعوية والزراعية ومنابع المياه التى جذبت نحوها التجمعات القبلية فأدى إلى نشوب الصراعات والحروب على مناطق كردستان خلال الحضارات القديمة، وتلت ذلك حروب تاريخية عديدة على مناطق الأكراد، ومن بينها على سبيل المثال صراع الصفويين والعثمانيين فى معركة «جالديران» عام 1514 التى انتهت بتقسيم الأكراد بين الدولتين.

لقد عانى الشعب الكردى كثيرا خلال قرن ونصف خلت، ولديهم تراكمات وتظلمات تاريخية من العثمانيين والقاجاريين والبهلويين والستالينيين والإنجليز والفرنسيين ونظام صدام حسين إلى الأزمة السورية، هذه الملابسات جعلت القومية الكردية فى حالة من الغليان المتواصل، ونجم عن ذلك أكثر من 18 ثورة وعشرات الحركات الاحتجاجية، بدأت بالثورة القومية التحررية التى قادها الشيخ عبيد الله النهرى عام 1880 ضد حاكم القاجار، وتعاقبت بعدها الثورات والانتفاضات الكردية المختلفة، مثل ثورة مدينة السليمانية (1918) بقيادة الشيخ محمود الحفيد البرزنجى وقمعتها القوات البريطانية بالمنطقة، وانتفاضة جبال آرارات (1927 ــ 1930) بقيادة إحسان نورى وتم القضاء عليها من قبل قوات أتاتورك، وانتفاضة درسيم عام 1937 بقيادة سيد رضا وتم قمعها وتوقيع معاهدة «سعد آباد» بين إيران وأفغانستان والعراق للقضاء على أى حركات كردية تنشأ فى هذه الدول، واندلعت غيرها من الثورات الكردية وجميعها باءت بالفشل.

نستخلص من كل هذا، أن الأكراد كقومية ومجموعات عرقية إثنية فى المنطقة هم بلا شك ضحية للجغرافيا والنزاعات القبلية والاستعمار الغربى واستبداد بعض الأنظمة الحاكمة، وعاش الأكراد فى موطنهم على امتداد 4 آلاف سنة، إلا أنهم مع ذلك أخفقوا فى بناء دولة لهم، وعلى دول المنطقة أن لا تنتقص حق الأكراد المشروع فى العيش بسلام دون اضطهاد وأن يحافظوا على هويتهم الثقافية وموروثاتهم ويحظوا بقيم العدالة الاجتماعية والمساواة، ولكن على الأكراد أيضا أن يتفهموا ويتقبلوا الحقيقة التاريخية الدامغة وهى أنهم شعب بلا دولة تخصهم وحدهم.

المطالب الكردية بإقامة دولة مستقلة على أساس عرقى لم تعد أمرا منطقيا فى زمن العولمة ولا تتسق مع قيم الديموقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، وسوف تدفع حكومات المنطقة وشعوبها إلى حروب جديدة ومستمرة ضد الأكراد، وبالتالى زعزعة الأمن والاستقرار والبناء الاقتصادى والتنمية، وكلما استمر هذا الحلم الكردى قائما سيظل كابوس القتل والدمار جاثما على شعوب المنطقة.

عكاظ ــ السعودية

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved