حرصًا على وحدة الصف

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 10:05 م بتوقيت القاهرة

فى كل مرة وقعت فيها جريمة إرهابية خلال السنوات الماضية أو اعتداء على القوات المسلحة أو الشرطة، لم يتردد المصريون جميعا ــ ما عدا قلة من الشامتين ــ فى التعبير عن غضبهم حيال هذه الأعمال الإجرامية، وتقديرهم لتضحيات الشهداء، وتضامنهم مع أهلهم، وإصرارهم على الوقوف صفا واحدا وراء الدولة ومؤسساتها فى حربها ضد الإرهاب. ولا أتصور أن الحال قد اختلف فى معركة الواحات التى قدم فيها رجال الشرطة أرواحهم فداء للوطن. 

وراء هذا الاصطفاف ليس فقط الاحترام والتبجيل لتضحيات الشهداء، وإنما أيضا الشعور بحتمية التضامن فى مواجهة عدو شرس، وأهمية الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية كى لا تتعرض للانقسام والتشتت، وضرورة تنحية الخلافات المعتادة جانبا فى ظل ظروف لا تحتمل البحث عن مكاسب إعلامية وسياسية. 

والحفاظ على هذا التحالف الوطنى واحد من أهم أسلحتنا فى هذه المعركة، خاصة أن أحد الأهداف المعروفة لأى نشاط إرهابى هو شق الصف الوطنى وزرع الفتنة فى صفوف المجتمع، على نحو ما استهدفته الاعتداءات المتكررة على الكنائس المصرية أخيرا سعيا وراء تأجيج الفتنة الطائفية وزرع الكراهية بين عنصرى الأمة. 

ولكن الحفاظ على وحدة الصف فى مواجهة الإرهاب لن يتحقق بمجرد ترديد الشعارات المعتادة أو الاكتفاء بعزاء أهل الشهداء فى مصابهم الأليم، وهو أقل واجب علينا جميعا. الاصطفاف الوطنى المطلوب لمواجهة هذا الخطر الداهم يحتاج إلى أن تنصت الدولة لما يدور فى أذهان الناس من أسئلة مشروعة حول ما جرى، وأن تسعى للتواصل مع الرأى العام فى إطار المعلومات التى لا تمثل خرقا للأمن القومى، وأن تطمئن الجمهور الغاضب بأن تقييما سوف يجرى حول أسباب ما حدث، وما إذا كان هناك تقصير أو تقاعس من جانب أجهزة الدولة، أم فجوة فى جمع المعلومات، أم تطور نوعى فى التنظيمات الإرهابية التى تحاربنا، أم غير ذلك من الملابسات الممكن الإفصاح عنها. 

من جهة أخرى فإن هناك حاجة لإعادة النظر فى الإدارة السياسية للمعركة مع الإرهاب. ولا أقصد بذلك البحث عن قنوات تفاهم أو تفاوض مع العصابات الإرهابية التى تهدد مستقبل البلد، لأنه بقدر اقتناعى بضرورة العمل على بناء جسور التفاهم والتواصل مع مختلف التيارات السياسية والاجتماعية فإن أى تفاهم مع من يحملون السلاح ويغتالون رجال الأمن ويعتدون على الكنائس مرفوض. الذى أقصده بالإدارة السياسية التى تحافظ على وحدة الصف وتبنى اصطفافا حقيقيا وراء الدولة ــ وليس حالة الغضب والحماس التى تزول بعد قليل ــ هى تلك التى تؤدى إلى إعادة فتح المجال العام للقوى السياسية والأحزاب والتيارات الحريصة على أمن وسلامة الوطن، ولو كانت ذات آراء مخالفة أو معارضة، لأن استمرار حالة الإقصاء والتخوين لكل من يعبر عن رأى مخالف لا تصب إلا فى مصلحة أعداء الوطن بسبب ما تؤدى اليه من تفتيت للجبهة الداخلية وشق للصف الوطنى. 

وأخيرا فإن معركة الواحات كشفت عن حالة التردى والتخبط السائدة فى الإعلام المملوك للدولة أو المحسوب عليها بسبب التصريحات المتناقضة، والتسرع فى بث اخبار غير مدققة، والحرص على نفى المسئولية عن أى جهة فى الدولة. واذا كان الإعلام هو إحدى الأدوات المهمة فى المعركة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب فإن الإعلام الواقع تحت السيطرة الكاملة والخاضع للتوجيه ليس أفضل وسيلة لكسب الرأى العام لأنه حينما يفقد مصداقيته واستقلاله فإنه يفقد أيضا قدرته على الوصول إلى الناس والتفاعل معهم. والنتيجة الحتمية لهذه السيطرة هى انصراف الناس عن الإعلام الرسمى والتابع للدولة وانشغالهم بالبحث عن مصادر معلومات بديلة، بعضها أكثر صدقا وموضوعية وجذبا للناس، وبعضها تستغل هذه الفجوة التى تسببت فيها الدولة لكى تبث معلومات مضللة. 

رحم الله شهداء الوطن وألهم أهلهم الصبر، وليكن تقديرنا لتضحياتهم وشجاعتهم وفدائهم عنا جميعا أن نعمل على تصحيح الأخطاء والتعاون من أجل الحفاظ على وحدة الصف حتى نخرج من هذه المعركة منتصرين ومتحدين.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved