قانون جاستا ومعضلة أرامكو مع بورصة نيويورك

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الخميس 23 نوفمبر 2017 - 8:20 م بتوقيت القاهرة

انتقد ستيفن بانون، المستشار الاستراتيجى السابق للرئيس دونالد ترامب، عدم الإشادة بدور الرئيس ترامب فيما يحدث فى المملكة العربية السعودية من تغيرات وإعادة تشكيل هيكلى فى بنيتها الاجتماعية والسياسية منذ قيام ترامب بزيارته التاريخية للمملكة فى نهايات شهر مايو الماضى. وقال بانون ــ الذى يدير حاليا موقع بريتبارت الإخبارى المحافظ والمؤثر، خلال كلمة حضرتها له فى إحدى فاعليات واشنطن ــ: إن الإعلام الأمريكى يتجاهل الثناء والإشادة بما قام ويقوم به ترامب من دعم كامل لمحمد بن سلمان ولى العهد السعودى وخطواته الجريئة. ويعتقد بانون أن لا أحد يدعم محمد بن سلمان مثلما يدعمه الرئيس ترامب. وذكر بانون ما يقوم به بن سلمان منذ زيارة ترامب للرياض والتى أتت به وليا للعهد بدلا من محمد بن نايف، وبدء عملية إعادة هيكلة للاقتصاد وعملية إعادة تشكيل للمجتمع السعودى وذلك لتتوافق مع رؤيته المعروفة باسم 2030. ويُظهر ما سبق وجود دور لا تخطئه العين لدور ترامبى فيما تئول إليه الأحداث المتسارعة فى المملكة السعودية. 
من هنا لم يخجل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى التعبير عن رغبته فى أن يتم إدراج شركة النفط السعودية «آرامكو» فى بورصة نيويورك. وكان بن سلمان قد اقترح منذ عامين أن يتم طرح 5% من إجمالى الأسهم فى بورصة أجنبية واحدة على الأقل فى عام 2018 وذلك فى إطار ما يعرف بـ«رؤية 2030» لتطوير الاقتصاد والمجتمع السعودى. وتركز اهتمام السعودية المبدئى على بورصتى لندن ونيويورك، إضافة للبورصة السعودية. وتحدث ترامب مع الملك السعودى سلمان بن عبدالعزيز بشأن شركة آرامكو وذكر أنه سيكون ممتنا إذا طرحت السعودية أسهم الشركة فى بورصة نيويورك. وتُقدر القيمة السوقية التقديرية للشركة بأكثر من 2 تريليون دولار، وتتخطى معها نسبة الـ %5 ما قيمته مائة مليار دولار. من هنا لم يكن بالمفاجأة إقدام ترامب علنا على تأييد خطوات بن سلمان التى ألقى القبض على إثرها على مئات من كبار منافسيه السياسيين منهم الأمير متعب بن عبدالله، إضافة لأبرز رجال الأعمال السعوديين وعلى رأسهم الأمير الوليد بن طلال فى مسعى لدعم نفوذه السياسى والحصول على مئات المليارات من الدولارات لتساعده فى مسعاه المستقبلى المتعلق برؤيته 2030. وغرد ترامب، على حسابه الرسمى فى موقع التواصل الاجتماعى تويتر، قائلا إن لديه ثقة كبيرة فى الملك سلمان بن عبدالعزيز وولى عهد السعودية محمد بن سلمان، وأضاف أنهما يعلمان جيدا ما يفعلانه، وأن بعض أولئك الذين يعاملونهم بصرامة كانوا يستنزفون بلدهم لسنوات.
***
إلا أن من يعرف طبيعة النظام السياسى الأمريكى يدرك تماما صعوبة إدراج شركة آرامكو فى بورصة نيويورك، وذلك لأسباب تتعلق بمبدأ «فصل السلطات» والتى يمكن أن يكون لها تبعات قانونية تظهر على إثر مثل هذا الإدراج والتى تخرج من رحم قانون Justice Against Sponsors of Terrorism Act ومعناه العدالة فى مواجهة رعاة النشاط الإرهابى، والمعروف اختصارا باسم جاستا. وقد أقر الكونجرس هذا القانون بما يشبه الإجماع، وذلك على الرغم من محاولات الرئيس الأسبق باراك أوباما استخدام حق الفيتو ضده، إلا أنه فشل.
وفُصل هذا القانون كى يتم من خلاله توجيه الاتهام للمملكة العربية السعودية وأعضاء أسرتها الحاكمة بالضلوع بصور مباشرة وغير مباشرة فى هجمات 11 سبتمبر الإرهابية والتى وقعت عام 2001 وراح ضحيتها ما يقرب من ثلاثة آلاف أمريكى. وهناك اليوم عشرات القضايا المرفوعة أمام محاكم نيويورك وواشنطن العاصمة وفيرجينيا من عائلات ضحايا الهجمات ضد حكومة المملكة السعودية. وتمنح هذه القضايا إمكانية طلب محامى هذه العائلات التحفظ على أسهم شركة آرامكو السعودية لحين الفصل فى قضاياها أو الحجز عليها حال إدراجها ببورصة نيويورك.
ولا يخفى كذلك غياب أى تعاطف مع السعودية داخل الكونجرس الأمريكى وذلك على خلفية حربها فى اليمن والتى تسببت فى أحد أكثر المآسى الإنسانية فى عالم اليوم خاصة عندما يتعلق الأمر بانتشار وباء الكوليرا وتدهور الحالة الصحية لمئات الآلاف من الأطفال اليمنيين. وعرض برنامج ستين دقيقة الشهير الأسبوع الماضى حلقة تبرز تأثير الضربات الجوية السعودية والحصار المفروض على اليمن على المستشفيات اليمنية. وتبع ذلك خروج افتتاحيات كبرى الصحف الأمريكية المؤثرة مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست وغيرهم يطالبون الإدارة الأمريكية بالتدخل لوقف هذه المأساة التى تسببت فيها سياسات بن سلمان. وقبل ذلك بشهور ــ وفى سابقة لافتة ــ نال تصويت لتصدير أسلحة للسعودية موافقة 53 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ واعترض 47 عضوا، وهى نسبة كبيرة جدا وغير مسبوقة هدفها تقديم رسالة واضحة للرياض عن عدم رضاء قطاع واسع بالكونجرس عن استخدامها أسلحة أمريكية لاستهداف المدنيين فى اليمن.
وهكذا يغيب التعاطف الأمريكى مع النهج السعودى الجديد، ولم يعد هناك سوى الحليف الموجود بالبيت الأبيض، والذى تتزايد الشكوك حول إمكانية بقائه فى منصبه لفترة طويلة على خلفية التحقيقات المتعلقة بالتدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
***
تاريخيا، تم التأسيس لعلاقات خاصة بين الرياض وواشنطن منذ فبراير 1945 حين اجتمع ملكها ــ حينذاك ــ عبدالعزيز مع الرئيس الأمريكى روزفلت على ظهر المدمرة كوينسى فى أثناء مرورها بقناة السويس. تقوم هذه العلاقات بالأساس على تأمين المصالح النفطية لأمريكا فى السعودية مقابل علاقة تحالف تضمن واشنطن من خلالها أمن العائلة الحاكمة السعودية من أى مخاطر إقليمية. وعلى الرغم من التناقضات الفكرية والقيمية والسياسية بين الدولتين، فقد استطاعت واشنطن والرياض استغلال لغة المصالح للحفاظ على خصوصية العلاقات بينهما. ثم جاءت أزمة هجمات 11 سبتمبر لتهتز العلاقات وتبرز حجم التباعد بين الدولتين، إلا أنهما استطاعتا ــ بمساعدة من البيئة الإقليمية فى الشرق الأوسط ــ امتصاص حجم الخلافات وتناقضات الرؤى والمصالح والأهداف. إن ما يحدث اليوم من انخفاض فى أسعار النفط، وما يقابله من عدم وجود حاجة أمريكية للنفط السعودى سيسمح بحرية مراجعة أسس هذه العلاقات. إلا أن قدوم ترامب وحاشيته للبيت الأبيض أعاد ضخ الحياة فى العلاقات الخاصة بين حكام الدولتين. وعلى الرغم مما يبدو من الخارج على أنه شهر عسل فى العلاقات بينهما، فإن حكماء أمريكا يدركون أن المصالح المشتركة التى جمعت واشنطن بالرياض على مدى أكثر من نصف قرن باعتبارها أحد أركان السياسة الأمريكية فى المنطقة تخضع اليوم لاختبار قد لا يقدر تهور محمد بن سلمان على اجتيازه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved