الجيش حمى ثورة العملاء

وائل قنديل
وائل قنديل

آخر تحديث: الجمعة 24 فبراير 2012 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

الخطاب التاريخى الذى ألقاه فخامة الرئيس المخلوع فى الفصل الأخير من دراما المحاكمة أول أمس، يكشف أن مبارك يتكلم ويتصرف باعتباره رئيس البلاد حتى الآن.


ولو افترضت أنك كنت منقطعا عن الحياة منذ 25 يناير 2011 واستأنفتها بقراءة هذا الخطاب التاريخى، فإنك لن تشعر أبدا أن صاحبه متهم ماثل أمام محكمة الجنايات بتهمة قتل أكثر من ألف متظاهر، وإصابة الآلاف، وربما تخيلت أنه واحد من الخطابات التاريخية التى اعتاد على أن يشنف الآذان بها، فى افتتاح الدورة البرلمانية، أو عيد العمال، أو الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر، أو انه خطاب الترشح لفترة رئاسية سادسة وسابعة.

 

فالرجل يتحدث وكأنه فى مستهل حياته السياسية، مقدما خطابا عن الإنجازات وعائدا مرة أخرى لمعايرة المصريين بالبنية الأساسية، والبلد التى تسلمها خرابة، فبث فيها الحياة والنماء، إلى آخر هذه السلسلة من الترهات التى تكذبها الأرقام الرسمية، ولم يكن ينقص هذا الخطاب الرومانسى سوى خاتمة يقول فيها إنه من أجل مواصلة الرخاء والتنمية قرر أن يرشح نفسه فى انتخابات الرئاسة المقبلة.

 

وبعيدا عن تلك اللغة الاستعلائية بمخاطبة هيئة المحكمة وكأنه يتحدث إلى مجموعة من مرؤوسيه فى المجلس الأعلى للقضاء، فإن ما يلفت النظر أكثر أنه لا يعتبر أن مصر شهدت ثورة عارمة أسقطته من عرشه، حيث لا يرى سوى «لقد خرج المصريون شهر يناير من العام الماضى تعبيرا عن تطلعهم لمستقبل أفضل.. وللمطالبة بحقوق مشروعة.. فكانت تعليماتى واضحة منذ اليوم الأول.. وكما كانت دائما من قبل» فالثورة التى سقط فيها مئات الشهداء وآلاف الجرحى من وجهة نظره ليست إلا «خروجة» للمصريين تطلعا للأفضل.

 

وكله كوم وما اختتم به خطبته كوم آخر، ذلك أنه يقول بملء فمه إن المطالبين بمعاقبته هم من «المغرضين، ومثيرى الفتن، والمأجورين الذين يتلقون تمويلات من الخارج» وهنا مربط الفرس، لأن معنى ذلك أن الجيش الذى يفاخر بأنه جزء من الثورة وأنه حماها، قد وقع فى المحظور، لأنه حمى ثورة «المغرضين والمأجورين» وعلى هذا الأساس فالثورة كانت جريمة فى نظر المخلوع، وكل من شارك فيها أو حماها، هو أيضا مجرم.

 

وغنى عن البيان أن محاكمة مبارك جاءت تجسيدا وتحقيقا للأهداف التى قامت من أجلها «ثورة الشعب المصرى العظيم» بتعبيرات البيانات والرسائل والخطب الرنانة الصادرة من المجلس العسكرى، وعليه فإن الطعن فى طهارة ووطنية الثورة، هو طعن فى كل الضالعين فيها، بدءا من شبابها الذين وصفهم المشير بأنهم النبت الطيب من هذا الشعب العريق، والذين هم رووا شجرة الديمقراطية والحرية بدمائهم، حسب رسائل المجلس على «فيس بوك»، وانتهاء بمن طرح نفسه شريكا لهؤلاء الشباب فى ثورتهم.

 

وبناء عليه فإن المجلس العسكرى من وجهة نظر رئيسه السابق النائم فى استراحة المركز الطبى العالمى، مشارك فى حماية جريمة اسمها «الثورة».. والله الموفق.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved