تحالف الإخوان.. حالة غروب

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: الإثنين 24 فبراير 2014 - 6:05 ص بتوقيت القاهرة

عند الطرق المسدودة شىء من يأس يخيم ومقدمة لانهيار يحتمل فى بنية ما يسمى «تحالف دعم الشرعية».

أزمته تتجلى فى تظاهرات يدعو إليها جمعة بعد أخرى على مدى ثمانية أشهر دون أن تتقوض السلطة الانتقالية على ما راهن فى بياناته.

التظاهرات تضاءلت أحجامها بفداحة وعنفها أفضى إلى اتساع كراهيتها.

ما هو سياسى تراجع بصورة شبه كاملة وما هو عنيف أصبح عنوانا لجماعة الإخوان المسلمين وتحالفها.

تحالف الإخوان انهارت رهاناته على كسب قطاعات شعبية إلى صفه تتجاوز أنصاره، فلا أحد مستعد أن يتقبل فوضى سلاح فى الشوارع وترويع مواطنين وتعطيل مرافق عامة وتوفير غطاء سياسى للإرهاب وتنظيماته.

وفرت الجماعة بحماقاتها المسلحة للسلطة الانتقالية أكبر غطاء حماية، فأيا ما كانت الأخطاء التى ترتكبها فإن أحدا لا يطلب عودة حكم لوح بالاحتراب الأهلى وأوغل فى العنف وبادل مجتمعه كراهية بأخرى.. وبرغم التعثرات الجلية فى خطى خريطة الطريق فإنها تمضى إلى الأمام استحقاقا بعد آخر والعودة إلى ما وراء خطوط (٣٠) يونيو تقارب التوهمات المستغرقة فى هلاوسها.

على تخوم اليأس فإن الخيارات تضيق أمام تحالف الجماعة، إما أن يمضى معها إلى انتحارها التاريخى أو أن يبحث عن مصير سياسى مختلف.

بجملة قاطعة تملى الحقائق على الأرض كلمتها الأخيرة: لا عودة الرئيس السابق وجماعته للسلطة ممكنة ولا الصراع الدموى مع دولة استعادت عافيتها يمكن كسبه.

بالقرب من اليأس وتخومه فإن أحزابا إسلامية فى تحالف الإخوان تراجع مواقفها خشية أن تغرق مع سفينة الجماعة الأم وتخسر كل شىء إلى الأبد.

الجماعة الإسلامية تمزقها منازعات شبه معلنة ما بين نزعة تشدد تميل إلى الإبقاء على التحالف لفترة أخرى مقبلة ونزعة أخرى يقودها مؤسسوها التاريخيون «فؤاد الدواليبى» و«كرم زهدى» و«ناجح إبراهيم» لمراجعة الموقف كله، فالتيار الإسلامى لا يصلح للسياسة وخلط الدعوى بالسياسى أفضى إلى نتائج وخيمة على صورة التيار كله.

حزب «الأصالة» السلفى يأخذ منحى قريبا مما يجرى فى الجماعة الإسلامية والاتجاه الأقوى فيه يذهب إلى رفض استهداف الجيش والشرطة أو أى مواطن برىء وأنه لا يصارع على سلطة أو يعمل على عودة الإخوان إليها.. وحزب «الوسط» بدأ يميل إلى مراجعة واسعة لجدوى التحالف والبقاء فيه.

أحزاب التحالف انفرط عقدها وكل حزب له شأنه الخاص فى بحث مصيره ومستقبله.

مما يلفت الانتباه أن حزبا يستضيف اجتماعات التحالف ومؤتمراته الصحفية فوجئت قياداته بما نشر فى وسائل الإعلام عن اجتماع ضم ممثلين لأحزاب أخرى فى التحالف إلى السيناتور الأمريكى «تيم كاين». لا ناقشت دعوة الحوار قبل أن يبدأ ولا اطلعت على ما جرى فيه ولا اهتم أحد أن يشاورها فى الخطوات التالية.

بغض النظر عن اللياقات السياسية فإن طبيعة التحالف هشة وعصمته ليست فى يده. لا هو صاحب القرار الحقيقى ولا التفاهم ما بين أطرافه أساس حركته المشتركة، فكل شىء يبدأ وينتهى بما تقرره الجماعة الأم. لأكثر من مرة اشتكت قياداته علنا من أنه لا يرجع إليها فى أمور جوهرية قبل إعلانها على الرأى العام.

وفق أساليب سياسية مستقرة دأبت جماعة الإخوان المسلمين على التحرك فى إطار أوسع منها بصيغ تناسب مصالحها على النحو الذى ذهبت إليه فى خوض الانتخابات النيابية على عهد الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» مرة على قائمة حزب الوفد بنزعته الليبرالية ومرة أخرى على قائمة حزب العمل بنزعته الملتبسة ما بين الاشتراكية والإسلامية ومرة ثالثة فى انتخابات (٢٠٠٥) بتنسيق مباشر مع قيادات استخباراتية وأمنية لمنع أى تحالف انتخابى محتمل مع الجبهة الوطنية التى كان يقودها رئيس الوزراء الأسبق الدكتور «عزيز صدقى».

اللعبة نفسها اتبعتها بعد ثورة يناير بصيغة جديدة تولت فيها هذه المرة مقود القيادة. تحت جناحها السياسى أنشأت ما أطلقت عليه «التحالف الديمقراطى» الذى شمل أحزابا مدنية وإسلامية سرعان ما تشقق قبل الانتخابات البرلمانية وانهارت مصداقيته عند توزيع حصص لجان المجلس النيابى.

بذات التفكير أنشأت ما أطلقت عليه «التحالف الوطنى لدعم الشرعية»، فلا هو تحالف بالمعنيين السياسى والتنظيمى، والطابع الوطنى يفتقر إليه فهو يقتصر حصرا على أحزاب إسلامية صغيرة، ولا الشرعية قضيته التى لا تنازل عنها، فقد أبدى بصياغات مختلفة استعداده للتخلى عن الرئيس السابق «محمد مرسى» مقابل اشتراطات طلبها مثل الإفراج عن المحتجزين على ذمة قضايا تنظرها المحاكم.

أزمة تحالف الإخوان تتمدد بدرجة أقل نسبيا داخل الجماعة الأم. هناك مؤشرات تتواتر بعضها معلن وبعضها الآخر مكتوم على تفكير بصوت مرتفع يدعو إلى الاعتراف بالأمر الواقع وخريطة الطريق والمشاركة فى الاستحقاقين الرئاسى والبرلمانى مقابل إجراءات تتخذها السلطة تختلف تفاصيلها من حديث لآخر.

فى المراجعة تأثيران كبيران. أولهما للإدارة الأمريكية التى تطلب إعادة دمج الجماعة فى الحياة السياسية المصرية وخريطة طريقها وتضغط على كل من السلطة والجماعة فى هذا الاتجاه.

ثانيهما لأطراف مؤثرة فى سياسات الجماعة ومواقفها مثل الشيخ «راشد الغنوشى» زعيم حزب النهضة الإسلامى الذى يرى ضرورات نبذ العنف والانخراط مجددا فى الحياة السياسية واحتذاء تجربته التى جنبت تونس وحزبه معا أى مصير مماثل لما جرى لمصر والإخوان فيها. غير أن التأثيرين يأخذان زخمهما من غضب يتزايد فى الكوادر الوسطى للجماعة ووسط شبابها من مستوى الأداء السياسى.

بالقرب من الغروب فإن توجه الجماعة البرجماتية بطبيعتها قد يتأجل لوقت إضافى بينما الوقت يداهم مصير تحالفها.

هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة فى مصير تحالف «دعم الشرعية». الأول أن تفضه السلطات الأمنية وتحيل قياداته إلى المحاكمة بتهمة التحريض على العنف على ذات النحو الذى انتهجته مع قيادات الجماعة الأم. وهو احتمال شبه مستبعد.. والثانى أن تدعه لتآكله الداخلى دون تحمل أية صور سلبية إضافية تنال من سمعة السلطة الانتقالية، فاجتماعاته ومؤتمراته وبياناته تحت كاميرات الفضائيات وعين الميديا الغربية رسالة مطلوبة بذاتها للعالم لا تؤثر كثيرا على الوضع الأمنى، فالتحالف يفتقد خطورته وقراراته تصنع فى مكان آخر.. والثالث أن تفتح المجال السياسى أمام بعض مكوناته لخلخلة الجماعة الأم من جهة وإكساب خريطة الطريق أرضية جديدة فى ارتفاع نسب المشاركة فى الاستحقاقين الرئاسى والنيابى.

من المرجح أن يكون هناك حوار شبه سرى تجرى وقائعه بهذا الاتجاه.

فى رحلة الغروب فإن الجماعة تدفع ثمنا باهظا لنزوعها إلى التكويش على الدولة والفشل المزرى فى إدارتها ونزوعها الآخر إلى العنف والتحالف الضمنى مع جماعات تكفيرية للعودة إلى حكم فقدته بحماقات تاريخية لا مثيل لها، وهو ثمن مستحق لمن يرفع سلاحه فى وجه مجتمعه غير أنه لا يخفى شروخ وثغرات السلطة الانتقالية نفسها.

الأداء العام مقلق على جانبيه السياسى والإعلامى وجبهة (٣٠) يونيو توشك على التصدع.

فى أحوال السيولة السياسية فإن الشرعية تكتسب صلابتها من التوافق الوطنى حولها، باحترام روح الدستور ونصوصه لا أن يوضع على الرف وينكل بتعهداته.

هذا شرط جوهرى لكسب معركة المستقبل وذهاب العنف وجماعاته إلى رحلة غروب بلا عودة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved