برامج الفضائح والتشفي
محمود قاسم
آخر تحديث:
الجمعة 24 مايو 2019 - 10:30 م
بتوقيت القاهرة
لا يمكن أن ننكر أن انتباه الناس اتجه فى المقام الأول فى شهر رمضان الحالى إلى المسلسلات التى ما زلنا نشاهدها، لكن لا شك ان المستوى المتدنى لهذه الأعمال الدرامية كان فى مصلحة البرامج التى تقدمها المحطات طوال الشهر، ومثلما صارت هناك محطات بعينها لبث المسلسلات، هناك محطات أحرى يهمها أن تقدم البرامج التى تدخل مباشرة إلى غرف النوم، ومعرفة الاسرار والفضائح التى يحكيها أهل الفن، خاصة المطلقات حديثا، كى يبوح لك الضيف بكل ما يعن له، خاصة أنه فى الفترة الأولى من مرحلة الانفصال، بالإضافة إلى أن هناك مذيعة كل اهتمامها أن تعرف الناس الكثير من التفاصيل عن كيف تمشى الحياة الزوجية، ولماذا يحدث انفصال بعد فترة من السعادة.
فى رأيى أن ما سمعناه فى هذه الحوارات يسىء إلى العالم الشخصى لحياة الفنانين الذين نعرفهم، وأعتقد أنه حان الوقت على النقابات الفنية أن تفرض نوعا من المساءلات تحذر على الفنانين الكلام بهذه الظاهرة المزعجة، باعتبار أن الفنان يبقى دوما صورة مشرفة لمهنته.
الموضوع قديم بالنسبة لنا، منذ إنشاء اذاعة الشرق الأوسط عام 1964، واعتمادها على برامج الطلقات السريعة، هى برامج قصيرة مدتها خمس دقائق، عبارة عن مواجهات للنجوم وإلقاء اتهامات ما على الضيف أن يرد دون إحراج، وتبعا لقوانين الاذاعة فإنه كانت هناك حدود يجب عدم الاقتراب منها، وانتقلت هذه البرامج إلى التلفزيون لجذب انتباه المشاهدين وتدخلت فى الحياة الخاصة، وصار الناس يحبون مشاهدة الفضائح، وصارت البرامج تتخلى عن وقارها، والبحث عن كل ما هو ساخن، ولا شك أن هذا يجلب المزيد من الاعلانات والمشاهدة، وفى إحدى المحطات كانت هناك برامج كل عام تقدمها مذيعات بالغات الجمال وربما الفتنة، وتنافست المحطات وظهر المذيعون الخبراء بالتسخين وخلق الفضائح. ولا أريد أن أذكر الاسماء فالقائمة تضم الأغلب، وفى رمضان الحالى وفى زمن اليوتيوب صارت مساحة المشاهدة أكبر بكثير، وأيضا بدون إعلانات، وذلك بسرعة بث الحلقة الساخنة كلها أو مقاطعها الأكثر سخونة بعد فترة قصيرة من أول بث لها.
قبل زمن اليوتيوب كانت التسجيلات يتم الاحتفاظ بها فى مكتبة التلفزيون للعودة إليها حسب برامج المحطات، وفى زمن اليوتيوب يمكنك أن ترى أى شىء فى أى وقت، وأن تكتشف أننا فى زمن البجاحة، وعلى سبيل المثال فقد صدمتنى ما قالته فنانة عن أسرار زوجها بعد الانفصال، وما قاله فنان عن ملكيته لابنته فى أن يوجهها للعمل بالفن، وبوح فنان كوميدى عن اقتناعه من خلال ما قاله الشيوخ له عن حرمة قيام النساء بالتمثيل خاصة على المسرح حيث إن المتفرج يمكن أن يدقق فى تقسيمها وأن الأنسب للرجل أن يمثل دون أن يراعى مشاعر المتفرجات وهن يشاهدن جمال الرجل، يعنى أن المسرح فرصة ذهبية للتخيلات المريضة، المؤلم أن الفنان الذى تحدث عن منعه لابنته من العمل بالفن هو ممثل ومطرب مخضرم وهبه الله وسامة وجاذبية، وأذكر ان ممثلة اعتزلت الحياة الفنانة لسنوات بعد أن تخلى عنها، وكانا مخطوبين، وأنا لا أريد أن أتعامل مع الأمر بمنطق العين بالعين.
كل ما أرجوه لمن يجلس أمام كاميرا للحديث عن ظروف شخصية أو أفكار أن زمن اليوتيوب صار يحفظ لكل متحدث ما قاله إلى الأبد، وسيكون شاهدا عليه، وأنه من السهولة جدا استحضار ما قاله فى ثوان، وأن الزمن يدور، وأن من هو أصغر سنا سرعان ما سيكبر وسيسمع ابناؤه ماضيه مثل الممثل الذى تحدث عن ابنته، فلعلها لا تعرف ماذا حدث لفتاة كانت فى مثل سنها يوما، هذه الفنانة التى انغلقت على أحزانها، واعتزلت قرابة خمسة عشر عاما.