ماكس المجنون.. يحذرنا

كمال رمزي
كمال رمزي

آخر تحديث: الأربعاء 24 يونيو 2015 - 12:10 م بتوقيت القاهرة

حق الفيلم نجاحا، يحسد عليه، فى شباك التذاكر، وجاء التعامل معه، نقديا، على قدر غير قليل من الاحترام.

«ماكس المجنون»، فى جزئه الرابع، بذات المخرج، الاسترالى، اللبنانى الأصول، جورج ميللر، إلى قدم طبعته الأولى عام ١٩٧٩، ببطولة النجم الناشئ، حينذاك، ميل جيبسون، الذى قدم نفس الشخصية، فى عملين تاليين، آخرهما، منذ ثلاثين عاما.. جورج ميللر، فى المرة الرابعة، يسند البطولة للنجم الجديد، الصاعد، توم هاردى، المولود قبل الجزء الأول من «ماكس» بسنتين.. ميللر، يحافظ على أبعاد الشخصية التى أبدعها: ذكاء، شجاعة، قوة روحية وبدنية، وقوف إلى جانب الخير، فى عالم كابوسى، موغل فى الشر، البقاء فيه للأشرس.

هذه السلسلة تعتمد على «الفانتازيا»، أو الخيال الجامح، تجمع بين أفلام الرعب، المسوخ، الحركة، المطاردة والمواجهة، ولا تخلو من وجهة نظر سياسية، وتحذيرية فى جوهرها.. تدور فى عالم ما بعد النهاية، فى الفيلم الأول، عقب حروب مدمرة، تسيطر عصابات المجرمين وقطاع الطرق على كل مكان، تندلع القسوة بين الجميع، ويحاول، ماكس، رجل الشرطة ضبط الأمور.. وفى الجزء الأخير، ندخل مع «ماكس» فى متاهة صراع مميت، ضد ديكتاتور، طاغية، استحوذ على كل شىء، وهيمن، فكريا، على أتباع مستعدين للموت فى سبيله، أملا فى الذهاب إلى الأرض الأخرى «مالها لا».. أو الجنة.

الفارق الواسع، فنيا، بين «ماكس» الأول، والرابع، يكمن فى تطور وتقدم تقنيات السينما خلال ما يقرب من النصف قرن، فعن طريق الـ«3D»، لم يعد المتابع فى وسط الأحداث ــ يرى عمق الجمال، أو تفاصيل الأشياء مجسدة ــ وحسب، بل أصبح عليه أن يتجنب الخطاف المقترب سريعا من وجهه، أو ينحنى قليلا تفاديا لقذيفة تمرق من فوقه.. وتأتى تصميمات المركبات الحربية مثيرة للانتباه، قوية ودميمة فى آن، تمزج بين السيارة والدبابة، مدججة بصواريخ حديثة وحراب بدائية.. وثمة «موتوسكلات» يمكنها القفز من مكان لآخر، وقد استعان المخرج بلاعبى أكروبات من سيرك «دوسوليه» الشهير.. هكذا، تقدم فى أدوات القتال، وتخلف فى الحس الإنسانى، وأناس يعيشون بغريزة البقاء.

يبدأ الفيلم بصوت ماكس، من خارج الكادر، يتكلم بإيجاز عن عالم ما بعد النهاية، مع صورته وهو يقترب من قلعة، وسط صحراء، يقيم فيها الطاغية «جو»، الذى استولى على المياه، بعد استحواذه على مواد الطاقة، النفط والفحم، يحيط نفسه بكائنات بشرية مشوهة، أجسامهم ووجوههم متشابهة مصبوغة باللون الأبيض. خارج القلعة، يعيش العامة، الضعفاء، بأسمالهم البالية، ممسكين بأوعية فارغة، فى انتظار انسيال المال من مواسير يتحكم فيها الديكتاتور.. بعد معركة، يتم القبض على ماكس، ويوضع حول وجهة شبكة حديد، ويربط فى مقدمة عربة تطارد الهاربة، بحمولة وقود، وعدة عذراوات.

الهاربة، المتمردة، المقاتلة، بأداء «شارليز ثيرون»، ذات الجسم الرياضى المتسق، المقصوصة الشعر، ترمى إلى العودة لمنطقتها الخضراء، التى اجتاحها «جو»، وقام بسبى نسائها، وقيد خصورهن بأحزمة عفة، على طريقة القرون الوسطى، كى يستأثر بهن.. تتوالى المطاردات العنيفة، وينضم ماكس للمتمردة.. ولولا براعة المصور العجوز، المتقد بروح الشباب، جون سيلى، لتسرب الملل إلى المتابعين، ذلك ان بعض مشاهد المعارك، تستغرق أكثر من عشر دقائق، ما بين هجوم وهجوم مضاد، تصادم عربات مجنزرة، تساقط «استشهاديين» أملا فى الذهاب إلى «مالها لا» الموعودة، رمال تتطاير، لكن الكاميرات النشطة، المتقافزة من جانب لآخر، المتواجدة فى قلب النار، تجعل من تلك المشاهد متعة بصرية، خصوصا أن جون سيلى، مع المخرج طبعا، تعمد محاكاة عدة لوحات للفنان السريالى، سلفادور دالى، ومنها، لوحة الغربان الواقفة فوق ما يشبه الأشجار الجافة، الطويلة، النحيلة.. ومع صوت الغربان، نكتشف حسب انتباه المتمردة المتأخر، أن هذه المنطقة الخربة، كانت محل إقامة عشيرتها، قبل أن يقضى عليها الطاغية.

أخيرا، تأتى لحظة تصفية الحساب: ماكس، والمتمردة، ومن معهما، يقتحمون القلعة على حين غرة، وبينما يتهالك الديكتاتور، تنهمر المياه من المواسير، تتدفق على المحرومين، كأن الفيلم الذى اعتبره البعض دفاعا عن البيئة، يلفت نظرنا إلى شراهة الطغاة نحو تملك شريان الحياة، بعد استيلائهم على مصادر الطاقة.. فى «ماكس المجنون ــ طريق الغضب»، أكثر من خطاب عقلى، يستحق التفكير.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved