سلوكيات اللسان 25- الشورى

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 24 يوليه 2014 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

الآية الأخرى التى ذكرت الشورى هى قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ). وتدبر هذه الآية يوضح أمورا غائبة عن الوعى، فالشورى فرض عين وليست فرض كفاية، كما يتصورها البعض، وقد اتضح ذلك من الصياغة الإلهية لهذه الآية، ففى جميع القرآن تقترن الزكاة بالصلاة دون تفريق بينهما، إلا هذه الآية فقد جاءت بالشورى متوسطة بين الصلاة وبين الزكاة (الإنفاق). هكذا ومن أوضح الطرق وأقصرها فى كلمات معدودات يعلم القرآن أهله أن الشورى فريضة، وأنها فرض عين، وأنهار دائمة شائعة شيوع الصلاة والزكاة. والجميع يعرف أن الصلاة فرض عين على جميع البالغين الراشدين لا تسقط إلا عن فاقد العقل، كما يعلم الجميع أن «الزكاة» فرض عين على كل من يملك شيئا، بل على من لا يملك مالا فعليه أن يتصدق عن أعضاء جسده ببعض الشعائر مثل التسبيح وصلاة الضحى، كما علمتنا السنة النبوية الشريفة، حيث قال «يُصْبِحُ عَلَىَ كُلّ سُلاَمَىَ مِنْ أَحِدكُمْ صَدَقَةٌ. فَكُلّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ. وَكُلّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ. وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ. وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ. وَيُجَزِئُ، مِنْ ذَلِكَ، رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضّحَىَ» أخرجه مسلم وهذا الحديث يبين عموم فرض الزكاة على كل المسلمين، فإذا أضفنا إلى ذلك زكاة الفطر الواجبة على كل من يملك طعام يوم العيد، تبين لنا أن الزكاة ليست مجرد أموال الأغنياء، ولكنها فريضة شائعة على كل الناس.

-1-

هكذا نرى الشورى فريضة دائمة شائعة بين الجميع شيوع الصلاة والزكاة، كما نلمح فى ذكر الشورى قبل الزكاة أن الشورى واجبة على الحكام تجاه المحكومين وعلى المثقفين تجاه العوام وعلى المتعلمين تجاه غيرهم. وعلى الأغلبية تجاه الأقلية، وعلى الكبار تجاه الصغار فيقوم المتخصص بتبصير (تعليم وتدريب) الآخرين بكيفية دراسة الشئون العامة وربما الخاصة إذا لزم الأمر، حتى يتعلم الجميع ضرورة الأسلوب العلمى والشرعى فى التفكير والاستعداد والتقارب وتحمل المسئولية. فليست الشورى مجرد كلام وعرض وتصويت، ولكن «إجراءات التصويت» هى مؤشر يبين للجميع تصورات بعضهم البعض حتى يقبلوا جميعا على التقارب وتحريك الحوار النافع لتغيير الحالة وتجديد الفكر وتحريك الحوار النافع بين أبناء المجتمع مثل الزكاة من الأغنياء للفقراء.

-2-

أما فى السياق العام، فإذا كانت (..وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ..) جاءت فى سياق السياسة والحرب والسلام، فإن (..وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..) كما نراها جاءت صفة ثابتة دائمة شائعة مثل الصلاة والزكاة فى جميع الظروف. كما أنها جاءت من بين مجموعات الصفات المطلوب توافرها فى «اِلَّذِينَ آمَنُوا»، وهذه الصفات كما حكاها القرآن: (فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَىْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

-3-

ونحاول التفقه بعد التدبر، فماذا يعنى ورود الشورى بين الصلاة والزكاة؟ هناك ضوابط مشتركة بين الصلاة والزكاة، أبرزها:

• التقدير والحساب المسبق فركعات الصلاة وحركاتها محددة، ووعاء الزكاة ونصابها محدد ومعروف.

• التوقيت المسبق المتعارف عليه فأوقات الصلاة محددة، وكذلك موعد إخراج الزكاة.

• الصلاة والزكاة عبادات منظمة تؤدى من خلال مؤسستا المسجد للصلاة وبيت المال للزكاة.

• لكل مؤسسة لوائحها وإدارتها المعروفة مع المتعاملين.

• الصلاة والزكاة فرائض جامعة فالمسجد يجمع الأجيال والوظائف والأحوال المختلفة، وبيت المال يجمع الأغنياء موردون، والمستحقون مستهلكون.

• إن الشورى قد تتوسط بين ركنى الإيمان (الصلاة-الزكاة) فهى فريضة وركن من أركان الإيمان.

كل هذه الضوابط الستة المتوافرة فى الصلاة والزكاة لا بد من توافرها فى الشورى حتى تنتج أثرها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved