الخيارات المتاحة أمام مصر

سمير عليش
سمير عليش

آخر تحديث: الأحد 24 يوليه 2016 - 9:35 م بتوقيت القاهرة

على الرغم من إنجازات تحققت على أصعدة محلية وخارجية وفرص واعدة فى مجال الطاقة فإن مصر تواجه قضايا وأزمات معقدة بعض منها غير مسبوق فى تاريخها الطويل.

فمصر «الشعب» تعانى من الزيادة السكانية ــ البطالة ــ التمزقات فى اللحمة الوطنية ــ الهوات «الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية» ــ تدنى التعليم والصحة ــ مستويات الوعى بالقيم والأخلاق والدين، دور الدستور والقانون والسلطة فى إدارة المجتمع، والسلوكيات الحضارية، الانتماء والمواطنة، قبول الآخر، قدسية العمل والعلم والمعرفة، وضرورة ترشيد الاستهلاك والحج والعمرة.

ومصر «الدولة» شاخت وترهلت وصلت مديوناتها الداخلية والخارجية إلى أرقام فلكية، وتدنت هيبتها داخليا وفى محيطها العربى والأفريقى وفسدت مؤسساتها الخدمية والإنتاجية حتى أنها صنفت فى قاع دول العالم، ومنها ما أدى إلى كوارث اقتصادية واجتماعية (الطائرة الروسية، مقتل ريجينى، تسرب الامتحانات).

أما مصر «النظام» وفق ما تفهمناه من التصريحات فقد وجه طاقته للحفاظ على الدولة من أفعال أهل الشر فى الداخل والخارج، وهناك ما دفعه إلى: قرارات واتفاقيات لم تحوز على توافقا شعبيا (سد النهضة، الجزيرتين) وإلى مشروعات قومية غير اقتصادية (القناة الموازية) والتأخر فى معالجه القضية السكانية وإصلاح مؤسسة العدالة والتصدى للفساد والاقتصاد المتدهور والمنفلت وتحسين مستوى المعيشة من جهة، وعدم تفعيل الدستور والالتزام الكامل بالقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان من جهة ثانية مما أدى إلى هوة ثقة بين النظام والكثير من ثوار 25/30 والشباب فى قلبهم.

ومصر«الأرض» مهددة من ناحية بالبوار بسبب التعديات والسدود الإثيوبية فضلا على تغيرات مناخية متوقعة، ومن ناحية أخرى باحتمالات مزعجة فى سيناء والجزيرتين ومحيطها المائى.

وإذا أردت تبسيط الأمور للرد على التساؤل الذى يتردد على الألسنة (مصر إلى أين؟)، يمكننى شخصيا القول إن أمام مصر خيارات ثلاث: أما «السير إلى الخلف» أو«السير فى المكان» أو«السير إلى الأمام» وبين هذه الخيارات ليس هناك سوى خيار مفيد واحد.

السير إلى الخلف:

بقيادة حركات سياسية / دينية تتطلع إلى العيش فى عصرنا الحالى وفق المفاهيم والممارسات التى سادت فى عصور غابرة، أو التى يسود بعض منها فى مجتمعات تحيط بنا.

بعض من أصحاب هذا التوجه لا يكتفون بالإعلان عن معاداة الغرب. بل يمتد عداؤهم إلى بعض من بنى وطنهم ودينهم الذى يخالفونهم الرأى المعتقد. وقد دأب بعضهم إلى استخدام العنف والإرهاب وسيلة يريدون به جر المجتمع كله إلى رؤيتهم.

والملاحظ أن اتباعهم يزدادون عددا مع انتشار الأمية وتدهور مستوى التعليم الدينى والمدنى، والهجرة من الريف إلى المدن والعشوائيات ومن مصر إلى دول الخليج ثم هزيمة 67 وانضمام الشباب إلى الحرب فى أفغانستان. وقد ساعد على تلك الزيادة أيضا عجز الأحزاب السياسية وضعف منظمات المجتمع المدنى فى إطار النظم الشمولية التى حكمت مصر منذ 52.

كما ساعد على نمو تلك التوجهات بغير شك انسياق أجهزة الإعلام منذ السبعينيات للترويج لهذا الاتجاه بتمويل خليجى وترحيب حكومى (السادات، المادة الثانية فى الدستور).

السير فى المكان:

بقيادة حركات سياسية / مدنية لها أشكال متعددة وتحمل أفكارا مختلفة يسارية وليبرالية وعلمانية ومصلحية وتتضمن بصفة أساسية ما انبثق بعد ثورة 23 يوليو ــ 1952 وحتى تاريخه لمؤازرة السلطة ذات الخلفية العسكرية «هيئة التحرير، منظمة الشباب، الاتحاد الاشتراكى... الحزب الوطنى، دعم مصر، شباب البرنامج الرئاسى».

والذى يجمع بين هذه الحركات على الرغم من التباين الشديد بينها، أنها جميعا تعادى الحركات الإسلامية، وتشيع الخوف من أهل الشر والمؤامرات الخارجية والصراعات الطائفية لتبرير قيام أنظمة شمولية عبر صناديق الانتخابات تحت أسماء براقة: الوطنية العسكرية ــ «الرئيس الضرورة»، وعبر تسويق دعاوى مشينة (عدم استعداد الشعب للديمقراطية). ويلاحظ على النظام الحالى التردد بين التقدم (صياغة وإقرار دستور2014 ــ استكمال مؤسسات الدولة ــ وطرح وإنجاز مشروعات قومية)، والتأخر عبر عدم تغير روح المجتمع وشباب الثوره من اليأس المتراكم إلى الأمل فى تحقيق «الحرية – الكرامة ــ العدالة ــ العيش ــ عدم تفعيل الدستور بل المطالبة بتعديله ــ دولة الدين (السماح للأحزاب الدينية ــ استمرار التمييز ضد المسيحيين والشيعة والبهائية ــ قضايا ازدراء الأديان ــ فتوى المفتى وتصرفات المحليات فى رمضان.. إلخ) وذلك خضوعا لمتطلبات التوازنات السياسية، والنتيجة (من وجهة نظرنا) إجهاض كل تقدم.

والحقيقة أن ما ينجم عن تلك الحركات السائرة فى ذات المكان، هو السير إلى الخلف إذا تم مقارنتها بما يحدث فى المجتمعات العالمية النامية (ماليزيا، اندونسيا، البرازيل... إلخ) التى تسير بخطى واسعة إلى الأمام.

السير إلى الأمام:

هذا التوجه ربما كان له أنصار كثر بين المصريين أفرادا وأحزابا وترابطات مدنية، بعضهم كان له أدوار رئيسية فى اندلاع الملحمة الثورية فى 25 يناير مرورا بـ30 يونيو، ولكنهم متفرقون لا تجمعهم مظلة سياسية واحدة.

ولا ينكر هذا التوجه أن يتمسك الناس بدينهم وأن يعبدوا ربهم الذى خلقهم كل وفق معتقداته. والدين عند هذا الاتجاه التقدمى ليس تكفيرا ولا إرهابا بل محبة ورحمة وتسامحا وانفتاحا على الآخر (الـ18 يوم الأولى من ثورة 25 يناير).

ويرى أصحاب هذا التوجه أيضا ضرورة استبعاد سلاح التخوين ضد المعارضين للسلطة للانتفاع بكل إمكانيات وقدرات المواطنين من جميع التوجهات لتحقيق الاستقرار والتنمية.

وسبيل هذا التوجه هو الدعوة النشطة إلى تجمع المواطنين وجميع القوى السياسية والمدنية للتنافس تحت مظلة «دستورنا» (الإنجاز الأضخم لتضحيات المصريين فى 25 يناير) للتمتع بالحياة الدستورية الكاملة (حكم رشيد، معارضة بناءة) التى يحلم الشعب بإرسائها منذ 52 حتى تاريخه.

أصحاب هذا التوجه يؤمنون أن لا أمل فى الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى فى مصر اذا ظل كل اتجاه سياسى (السير إلى الخلف أو فى المكان) مؤمن بأن طريقه هو الصراط المستقيم وطرق الآخرين الكفر أو الخيانة ويتعين القضاء عليها بالقوة. وإنما يتوقف الاستقرار والتنمية وفق رؤيتهم على قدرة المصريين على بناء دولة القانون وحقوق الإنسان والاعتماد على الموارد الذاتية ــ تحرير وضبط الإعلام ــ تعزيز رأس المال الاجتماعى والعدل ــ تكثيف المشروعات القومية لبناء البشر (التعليم، الصحة) بالتوازى مع بناء الحجر ــ تطبيق العدالة الانتقالية ــ تجديد الخطاب الدينى لاجتثاث جذور الإرهاب ــ نشر ثقافة الديمقراطية والشفافية.

***

لا ينبغى أن يفهم من تسميتنا للحركات والتجمعات التى وصفناها بأنها «تسير إلى الخلف» أو «تسير فى ذات المكان» أننا ننكر عليهم نبل مقاصدهم الوطنية. بلا شك أن غالبية اتباع تلك الحركات والمجموعات اتجهوا صوبها باقتناع. واعتقد أن الباعث الأساسى لتلك الحركات والمجتمعات بنوعيها هو الرغبة فى التغيير نحو ما يعتبرونه الأفضل. وإننى لا أنكر أيضا أن التعميم الذى وصفت به تلك هذه الحركات لا ينطبق على أفراد قد ينتمون فكريا إلى هذا الاتجاه أو ذاك أو يتعاطفون مع أحد هذين الاتجاهين لكنهم يتحلون مع ذلك بالتوازن والاعتدال فى حكمهم على الأمور، ولديهم القدرة على التواصل الإنسانى مع الآخر.

وواضح من المحصلة النهائية البائسة على مصر (الدولة ــ الشعب) خلال الفترة من 52 إلى سنة الإخوان إلى ما بعدها، أنه لا سبيل لمصر إلا فى «السير إلى الأمام» لكفالة التداول الآمن للسلطة فى المواعيد المحددة لذلك، فضلا على تعزيز حقوق الإنسان لكافة المواطنين بمن فيهم أصحاب الاتجاهات المغايرة الذين لا يطالبون بالحرية، وللأسف لا يعترفون بها إلا وهم فى المعارضة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved