من أجل أخلاق أحسن

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الإثنين 24 أغسطس 2009 - 5:42 م بتوقيت القاهرة

 ساقتنى المجاملات إلى مسرح لمشاهدة مسرحية كوميدية حسب إعلاناتها وفاترة حسب ما شاهدت وسمعت، قضيت ساعتين بين متململ ومتبرم، وأحيانا منزعج. أزعجتنى استهانة الممثلين، وفى صدارتهم الممثل البطل، بذكاء المتفرجين والجنيهات الوفيرة التى دفعوها، وأزعجنى المتفرجون،أو أغلبهم، الذين ربما مارسوا وأطفالهم كل نشاط ممكن خلال الساعتين إلا مشاهدة المسرحية، هم أيضا استهانوا بالممثل الكبير وزملائه، وأهانوا المسرح، ثقافة وفنا وتاريخا، خرجت آسفا لأننى لم أستجب لتحذيرات المجربين، ولكن أيضا للحرج الذى ظهر واضحا على وجه مضيفى الكريم.

خلوت إلى نفسى وتذكرت المسابقات السنوية التى كانت تقام على مسرح الأزبكية وتتنافس على جوائزها فرق مختلف الكليات. كنا نرتدى للمناسبة أفخر ثيابنا ونلمع أحذيتنا ونصفف شعرنا، وكان غزيرا فى ذلك الزمن. كان العمداء وكثير من أعضاء هيئة التدريس يحرصون على الحضور مصطحبين عائلاتهم. وفى الاستراحة نتبادل وإياهم الرأى فى أداء زملائنا الممثلين ويعزمون علينا بالمرطبات، وفى أكثر من مرة كنا ندعى إلى قضاء الأمسية فى منازلهم.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

تذكرت سلوك الطلبة المتفرجين وجمهور الحاضرين بشكل عام، ولا أعرف على وجه الدقة كيف ومتى تعلمنا أن للمسارح منظومة سلوكيات يجب احترامها والتزامها، لم يكن التليفزيون دخل بيوتنا بعد ولعله لم يكن دخل مصر كلها لنقول إننا تلقينا الدرس منه، أظن أنها كانت هيبة المكان ومكانة الكبار فى نفوسنا واحترامنا فن التمثيل أو الفنون عامة، أو أنها كانت الرغبة فى أن نعيش وقتا تختلف فيه تصرفاتنا عن الأوقات العادية، «نستطعم» مذاقا آخر ونكتسب خبرة جديدة تنفعنا فى أيام ومناسبات قادمة.

وبالفعل جاءت المناسبة حين دعيت لحضور افتتاح الموسم فى دار أوبرا لاسكالا بمدينة ميلانو، كان يوما مشهودا وسيظل.دخلت المسرح منبهرا بالفخامة ورقى الذوق الهندسى والفنى، وقضيت الأمسية منبهرا بالموسيقى والأصوات والأضواء والناس وما ارتدوه وارتديته مثلهم للغرض ذاته، وهو حضور حفل فى دار أوبرا لاسكالا، ولكن أغلب انبهارى، وأتذكر تفاصيله بدقة متناهية، اتجه إلى السهولة التى اندمجت بها مع منظومة أخلاقيات وسلوكيات لعلها الأشد انضباطا ورقيا والتزاما بين كل ما مارست من قبل ومن بعد.أدركت وقتها وبفخر، أن الفضل يعود حتما إلى تلك المسابقات السنوية التى كانت تجرى فى مسرح الأزبكية. هناك تعلمنا أصول المسرح تمثيلا ومشاهدة وسلوكا. وبمرور السنوات وقع التدهور فى سلوكيات جمهور المسرح فى كل مكان، ولكن عندنا فاق الحدود.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

توجد فى دول الغرب منغصات سلوكية ولكن غالبا ما يتغلب عليها فور وقوعها المشرفون على المسارح والجمهور ذاته، ومع ذلك، فالمنغصات على قلتها وبساطتها دفعت عددا من صحف الغرب والمسئولين عن الحياة الثقافية لشن حملة تعيد تثقيف جمهور المسرح فى تقاليد المسرح وواجبات المتفرج والممثل وحقوقهما. خرجت مثلا التايمز اللندنية منذ أيام بمقال يناشد الجمهور العودة إلى أخلاقيات المسرح القديمة، ويضع قائمة بخمس عشرة قاعدة سلوكية يلتزم المتفرج باحترامها، بعضها فات أوان إقناع المتفرج المصرى بالتزامها، وبعضها يمكن أن يكون موضوع حملة تثقيفية تشترك فيها عناصر التنوير والتحضر فى مصر، أوجز فى هذه السطور القليلة القواعد أو النصائح، إن شئنا اعتبارها نصائح، التى وقع اختيار الكاتب عليها:

1ـ نفعل بالهاتف الجوال ما نفعله قسرا عندما نستقل الطائرة، ولا نعيد فتحه إلا عندما يضاء المسرح.

2ـ لا كلام تتبادله مع جارك أو جارتك، اصطحب سماعة الأذن إن كنت تعانى من مشكلة فى السمع، لا تهمس فالهمس يقطع التركيز والاستمتاع، ولا تشارك المطرب الغناء أو الهمهمة.

3ـ لا تتناول مأكولات أو مرطبات. لا تأكل شيئا بالمرة، لا تقضم شيئا حتى أظافرك لا تقضمها أو تتسلَ بها، تخلص من أكياس البطاطس المقلية والمكسرات واللب التى تشتريها أثناء الاستراحة قبل بدء العرض، لا شىء يقلق الممثل قدر سماع صوت «قرمشة» البطاطس «وكرمشة» أكياسها.

4ـ إذا كان لابد وأن تسعل استعمل منديلا لكتم الصوت.

5ـ لا تدخل بعد بدء العرض، ولكن إن دخلت اعتذر بالإشارة فقط إلى من يقف لك لتمر إلى مقعدك.

6ـ حاول أن تعيد إلى المسرح تقاليده الرائعة: لا تصفق لممثل دخل إلى خشبة المسرح، ولا تشجع ممثلين يتوسلون التصفيق أثناء العرض أو بعده.

7ـ لا تشجع ظاهرة التصفيق وقوفا إلا عند الضرورة القصوى مثل نهاية عرض مسرحى لن يتكرر أو توديع مايسترو عظيم لن يعود، الظاهرة سخيفة وابتدعها الأمريكيون وهم الآن نادمون عليها.

8ـ لا تصطنع ضحكة على نكتة سخيفة أو موقف غير مضحك، ما لا تعرفه أن الضحك المصطنع مفضوح.

9ـ إذا دعيت لحفل افتتاح مسرحية أو أوبرا لا تبالغ فى إظهار مكانتك الاجتماعية أو السياسية، حتى وإن كانت فعلا مرموقة. فكر فى أن بقية الحاضرين والممثلين والنقاد جاءوا من أجل مشاهدة العرض وليس من أجل مشاهدتك.

10ـ لا تبالغ فى اختيار ملابس السهرة، ارتدِ ملابس مناسبة لاحتفال عادى، المهم أن تشعر بأن المسرح مكان يستحق أن تقضى فيه وقتا مختلفا بملابس مختلفة.

11ـ لا تتردد فى إيقاظ شخص نائم وبدأ يصدر أصواتا، ولكن لا توقظ ناقدا مسرحيا غلبه النعاس لأنه لن يغفر لك أنك ضبطته متلبسا بالنوم أثناء تأدية عمله.

12ـ إذا كنت ناقدا لا تصدر أصواتا وأنت تكتب ولا تستخدم الأقلام المضيئة.

13ـ لا تصطحب أطفالا، وإذا دفعتك الظروف لاصطحاب طفل تأكد أنه مربوط جيدا إلى مقعده وعلى فمه لاصق محكم اللصق.

14ـ حاول ألا تكون طويلا جدا، اخلع ما تضعه عادة فوق رأسك، كالقبعة مثلا أو العمامة أو غطاء رأس حريمى مبالغ فى علوه. وإذا كنت بالفعل طويلا جدا، حاول أن تحجز مقعدك على الممر.

15ـ لا تجاهر بغضبك على أحد الحضور، أجل ثورتك إلى الاستراحة، أو اكتفِ بنظرة عتاب قاسية ومن النظرات ما يقتل.

هل من شريك فى حملة لاستعادة الانضباط للسلوكيات الطيبة فى مسارحنا؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved