هامش للديمقراطية ــ عن النساء والأقليات والطبقات ضعيفة الدخل

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الثلاثاء 24 سبتمبر 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

نعود إلى البدايات: إذا كان التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع يضمن لقطاعات تتسع باستمرار من المواطنات والمواطنين المشاركة فى إدارة الشأن العام والسياسى عبر التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات الدورية واختيار ممثليهم فى السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإن الديمقراطيات تواجه تحديات كبرى تتعلق بتمكين القطاعات محدودة الدور السياسى تقليديا من المشاركة والوصول إلى تمثيل متوازن لرؤاها ومصالحها. وعادة ما تندرج تحت لافتة القطاعات محدودة الدور السياسى هذه النساء والأقليات والمجموعات الدينية والمذهبية والعرقية والجغرافية البعيدة عن المراكز السكانية المستقرة والطبقات ضعيفة الدخل وذات الوضع الهامشى فى سوق العمل، وتعمد الديمقراطيات والدول الراغبة فى إنجاز التحول الديمقراطى لذلك إلى تطبيق حزم من الاستراتيجيات والإجراءات الهادفة إلى تمكينها.

وترتبط الاستراتيجيات والإجراءات الأبرز هنا بالنظم الانتخابية (إن الفردية أو المستندة إلى القوائم الانتخابية أو المختلطة) التى قد تقر نسبا محددة لترشيح وتمثيل النساء والأقليات والطبقات المهمشة، وبقوانين السلطتين التشريعية والتنفيذية التى قد تعمد إلى تخصيص عدد من المقاعد البرلمانية أو الحقائب الوزارية لذات القطاعات. ويتفاوت السياق الزمنى لتطبيق الديمقراطيات والدول المتحولة إلى الديمقراطية لمثل هذه الاستراتيجيات والإجراءات بين توجه مؤقت وقصير المدى وتوجه ثابت وطويل المدى. فقد تقر النسب المحددة للترشيح وللتمثيل الانتخابى و«كوتا» المقاعد البرلمانية والحقائب الوزارية لدورة انتخابية أو لبضعة دورات انتخابية، أو قد تقر لمدى زمنى ثابت وطويل للاستحالة الفعلية فى بعض المجتمعات لتمكين القطاعات محدودة الدور السياسى من المشاركة والتمثيل المتوازن لمصالحها دونها.

وفى مصر، وعلى الرغم من غياب التنظيم الديمقراطى للدولة وللمجتمع منذ نشوء الجمهورية، عرفنا بعض هذه الاستراتيجيات والإجراءات الحمائية. أقرت دساتير الجمهورية، وإلى دستور ٢٠١٢ المعطل، نسبة ٥٠ بالمائة تمثيلا بالسلطة التشريعية للعمال وللفلاحين باعتبارهم قطاعات ضعيفة الدخل ومهمشة ومحدودة الدور السياسى تقليديا، واحتفظ بها إلى اليوم بالرغم من كثير التحايل والتشويه الذى طالها وفرغها من المضمون. وعرف النظام الانتخابى المصرى، فى التعديلات الأخيرة التى أدخلها عليه نظام الرئيس الأسبق مبارك، «كوتا» المقاعد البرلمانية للنساء ووفقا لها أجريت انتخابات ٢٠١٠ (الأكثر تزويرا خلال العقود الماضية والتى وضعت حلقة النهاية فى متوالية سقوط النظام السلطوى الأسبق)، إلا أنها سرعان ما ألغيت بعد ثورة يناير ٢٠١١.

واليوم، ومصر بحسابات الأمر الواقع يوضع لها دستور جديد وبمعزل عن شكوكى كمغرد خارج السرب فى الالتزام الديمقراطى للمشاركين فى ترتيبات ما بعد ٣٠ يونيو، ينبغى الانفتاح على نقاشات جادة بشأن الاستراتيجيات والإجراءات اللازمة لتمكين المرأة والمصريات والمصريين الأقباط وأهل المناطق النائية كسيناء والمواطنات والمواطنين المقيمين فى الخارج وجميعهم همشوا طويلا فى السياسة والشأن العام. الأقرب إلى الجدية فى نظرى هو الإقرار الدستورى والقانونى لـ«كوتا» مؤقتة للمقاعد البرلمانية للنساء وللأقباط وتفعيلها لدورتين انتخابيتين، ثم ترك الأمر للمنافسة الحرة وبعد أن يكون الدمج السياسى قد تجاوز الشكل المحدود والنمط المضطرب الحالى. الأقرب إلى الجدية هو اعتماد تخصيص مقاعد دائمة لتمثيل أهل سيناء وغيرهم من سكان المناطق النائية وكذلك للمصريات وللمصريين المقيمين فى الخارج على ألا يرتبط عدد المقاعد فقط باعتبارات الكثافة السكانية. أما قضية تمثيل العمال والفلاحين، فإلغاء نسبة ٥٠ بالمائة عمال وفلاحين فى البرلمان القادم ضرورة موضوعية والبديل الأكثر فاعلية لضمان تمثيلهم فى الحياة السياسية هو وضع سقف مالى واضح للإنفاق على الحملات الانتخابية وقواعد شفافة لتمويل الأحزاب السياسية ولدور المصالح المالية بها وتطبيق عقوبات رادعة حال التجاوز.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved