مغزى حجب جائزة هيكل

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 24 سبتمبر 2017 - 9:40 م بتوقيت القاهرة

أن تقرر لجنة التحكيم واللجنة الاستشارية والهيئة المشرفة فى مؤسسة هيكل للصحافة العربية حجب الجائزة فى دورتها الأولى، فإن ذلك ينبغى أن يكون جرس إنذار للحالة التى وصلت إليها الصحافة العربية خصوصا المطبوعة منها.
مساء السبت الماضى شهد المسرح الصغير بدار الأوبرا حدثا مهما، وهو الإعلان عن الفائزين بجوائز هيكل للصحافة العربية فى نفس يوم مولد هذا الكاتب الاستثنائى.
الجماعة الصحفية كانت تترقب هذه الليلة فالجائزة تحمل اسم هيكل، وهو الاسم الأهم والأبرز فى الصحافة العربية على الإطلاق، وأحد الأسماء المهمة فى الصحافة العالمية.
هناك سبب معلن لحجب الجائزة وهو قلة عدد المتقدمين، ربما لعدم معرفة الكثيرين بها وبموعد التقديم لها، ولكن هناك سبب مهم أيضا وهو تراجع مستوى الصحافة المصرية والعربية بصفة عامة.
فى حفل السبت الماضى كان هناك العديد من شيوخ ونجوم المهنة والكتابة من جميل مطر وفهمى هويدى وصلاح منتصر ومكرم محمد أحمد وطلال سلمان إلى عبدالله السناوى وياسر رزق نهاية بشباب صغير فى بدايات حياته المهنية مرورا بمثقفين وأدباء وشخصيات عامة. كان هناك حضور رسمى مميزا أيضا، خصوصا المستشار عدلى منصور ووزراء حاليين وسابقين، والمهندس إبراهيم المعلم، وبالطبع أسرة هيكل وفى مقدمتهم الزوجة هدايت تيمور والأبناء على وأحمد وحسن، وكان لافتا للنظر الكلمة البليغة والمؤثرة للدكتورة غادة والى وزيرة التضامن الاجتماعى التى تكشف كل يوم عن شخصية شديدة الرقى والتهذيب والاطلاع ومهمومة بالوطن والمواطن.
كان هناك فيلم تسجيلى وثائقى جيد تحدث فيه الدكتور أحمد هيكل وعبدالله السناوى وأسامة الشيخ عن مسيرة الأستاذ وحياته منذ التحاقه بالإيجبشيان جازيت عام 1942، حتى رحيله عن عالمنا فى 17 فبراير من العام الماضى.
نعود إلى جوهر الموضوع وهو الحالة الصعبة التى وصلت إليها صحافتنا المصرية والعربية.
كتبت قبل ذلك فى هذا المكان عن وجود مواهب كثيرة بين خريجى أقسام وكليات الإعلام فى الجامعات المختلفة، وأن هؤلاء هم الأمل فى المستقبل، لكن يومها قلت إن ذلك مشروط بوجود بيئة ومناخ يسمح بأن تنمو وتكبر هذه الكفاءات وتأخذ فرصتها. ومن الواضح أن الظروف الصعبة التى نعيشها تلقى بظلال قاتمة على مستقبل العمل الصحفى.
هناك عاملان خطيران يهددان الصحافة والإعلام المصرى بصفة عامة. الأول اقتصادى بسبب تراجع نسبة الإعلانات، ثم ارتفاع أسعار الورق وبقية مستلزمات الطباعة المستورد بنسبة زادت على 80%.
والثانى سياسى ويتمثل فى تراجع هامش الحرية بصورة كبيرة، الأمر الذى يجعل غالبية الصحف متشابهة، وبالتالى لا يقبل القراء عليها. هذا الأمر قد يفيد الحكومة مؤقتا ويريحها من صداع بعض المقالات هنا وهناك!، ولكنها لا تدرك أن الناس الذين ينصرفون عن الصحف المصرية، سيتوجهون إلى وسائل إعلام خارج الحدود، وبعضها يتلقى فعلا تمويلا من أطراف لا تكن الود لمصر والمصريين وليس فقط للحكومة والرئيس.
الأزمة الاقتصادية دفعت العديد من الصحف لوقف تدريب زملاء جدد، بل والاستغناء عن بعض الموجودين، واللجوء إلى عمليات تقشف واسعة النطاق. والنتيجة وقف ضخ الدماء الجديدة فى هذه الصحف، خصوصا إذا علمنا أن معظم «الصحف القومية مليئة بالجنرالات ولم يعد لديها الكثير من الجنود». هذا ليس ذما أو قدحا، لكنه مؤشر خطر على مستقبل هذه الصحف التى تعانى أساسا من كوارث مالية وإدارية سابقة على التعويم وقلة الإعلانات ويعود معظمها إلى سوء الإدارة، الأمر الذى جعل مديونياتها تصل إلى المليارات.
نرجو أن تدرك الدولة أن تراجع دور وتأثير الصحافة المصرية سواء كانت قومية أو خاصة، لن يكون فى صالحها، لأن هذه الصحف جزء أصيل من القوة الناعمة لمصر والمصريين.
ختاما، مبروك للزملاء الفائزين بالجائزة التشجعية وهم أحمد حسن وغادة الشريف، والصديق والزميل بالشروق محمد صلاح الدين بصل أحد أفضل الصحفيين المصريين الشباب.
وختاما كل الشكر والتقدير لأسرة الأستاذ هيكل على سهرة يوم السبت الدافئة التى جمعت مصريين وعربا من كل الأطياف، وكل الأمل أن تتمكن مؤسسة هيكل وجائزتها، فى إيقاد شعلة قد تساهم فى انتشال الصحافة المصرية من أزمتها.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved