حماية الأقليات فى الموصل ذريعة للتقسيم

العالم يفكر
العالم يفكر

آخر تحديث: الإثنين 24 أكتوبر 2016 - 9:50 م بتوقيت القاهرة

نشرت مؤسسة Brookings مقالا لـ«بيفرلى ميلتون إدواردز»، أستاذة العلوم السياسية فى جامعة كوينز فى بلفاست، أيرلندا، تتحدث فيه عن مستقبل الموصل ونينوى بعد تحريرهما من سيطرة داعش. فتقول فى بداية مقالها، إنه رغم الثقة بقدرة التحالف الجديد المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية على هزيمة داعش، إلا أن هناك مخاوف من أن تتضارب آراء الفصائل حول ما سيأتى لاحقا.

فقد بات من الواضح أن عددا من الأطراف لديها مصالح بتقسيم المحافظة إلى ستة أو ثمانية كانتونات على أساس عرقى أو مذهبى، بحيث تكون هذه الكانتونات ذاتية الحكم ومستقلة عن حكومة حيدر العبادى فى بغداد. أما فى واشنطن والكونجرس، فهناك بعض الدعم لهذا النوع من الحلول، لاسيما إذا أخذت من منظار أنها طريقة لحماية حقوق الأقليات الدينية، كالإيزيديين والآشوريين والكلدان، الذين اضطهدوا بشراسة وخضعوا للتطهير العرقى والتهجير من الأراضى التى استوطنوها منذ القدم، ضمن عملية الإبادة التى شنتها عليهم داعش.

تحذير: أمامنا تقسيم
انتقلت إدواردز بعد ذلك لتحذر من تلك الترتيبات، فرغم أنها تبدو جذابة بالمطلق، إلا أنها قد تأخذ الأمور إلى منحى أسوأ وليس أفضل. إذ يمكن أن يؤدى التقسيم إلى تعميق الانشقاقات الدينية فى الدول الهشة.
ورغم أن مسألة التشارك فى السلطة فى الموصل قبل سيطرة داعش عليها فى العام 2014 لم تكن مثالية، إلا أنها كانت تمثل أشكالا من المشاركة التى نجحت فى استيعاب مصالح الأقليات وموازنتها. فقد تمخضت انتخابات مجالس المحافظات عام 2013 عن تحالف للأحزاب مكون من الحزب الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى، والحشد الوطنى لتحرير نينوى «حرس نينوى» الذى يهيمن عليه السنة والذى أسسه أثيل النجيفى، وغيرها من التجمعات كالشبك والإيزيديين والكلدان والأحزاب القومية، الأمر الذى يعكس إمكانية التمثيل من دون اللجوء إلى تفتيت الإقليم.
وتستطرد إدواردز قائلة ليست المقترحات الحالية لإنشاء هذه الكانتونات المنبثقة من الموصل ونينوى والمدعومة ظاهريا من قبل تركيا، نتاج مقاربات بناءة تتقدم بها الأحلاف المنتخبة التى ذُكرت سابقا، وليست ثمرة الحوار أو التشاور مع فئات المجتمع المدنى لمعالجة المشكلات العرقية والطائفية المستشرية منذ زمن طويل. وهى لا تمثل، بنفس الأهمية، الجماعات المهمشة الأخرى، مثل الشباب والنساء وأفراد المجتمع الذين لا تؤخذ آراؤهم وأفكارهم بعين الاعتبار فى الجدل الدائر حول مصير الموصل ونينوى، بعد داعش. بل على العكس تماما، فالدافع الأكبر وراء هذه المقترحات هو تغليب المصالح المذهبية والسلطوية والعشائرية أو العرقية، على حساب حقوق الأطراف الأخرى وأمنها.
بالإضافة إلى ذلك، ترى الكاتبة أنه من غير المرجح أن ينجم إنشاء مثل هذه الكانتونات عن مقاربة استشارية، وبالتالى من المحتمل أن تزيد المشكلات الناجمة عنها وليس أن تجد حلولا لها، لا سيما إذا ما تضاربت القرارات الداخلية والبنى القانونية لهذه الكانتونات مع الدستور العراقى. وإذا لم تُطرح هذه المقترحات على المواطنين العراقيين جميع من خلال استفتاءات شعبية، فيمكن أن تكون آثارها ومخاطرها كارثية على السلم الإقليمى فى بقية أجزاء البلد.
الحماية

أضافت إدواردز أن قابلية نجاح مثل هذه الكانتونات تعتمد على مستوى التعاون بين الجيران الجدد. ويجب أن تخضع سلطات كل كانتون لمفاوضات طويلة ومتبادلة، تتطلب بدورها سن أعداد لا تُحصى من القوانين والمعاهدات والاتفاقيات، وتعمل على معالجة سلسلة متكاملة من الأمور، بدءا من القضايا الحياتية اليومية وصولا إلى القضايا الوجودية.

كما أن أحد أهم المخاوف الرئيسة فى موضوع الحماية هو التهديد الذى تشكله الشراذم المتبقية من داعش. ومن هنا تتساءل هل سيكون لكل كانتون مفترض فى نينوى قوات أمن وشرطة ومخابرات خاصة به؟ وما نوع السياسات الأمنية وآليات التنسيق التى ستوضع لمكافحة الجرائم العابرة للكانتونات، مثل الإرهاب وتهريب المخدرات والأسلحة وغيرها من الجرائم الخطيرة؟
الأمن

فيما يخص الأمن تضيف الكاتبة، أنه من المرجح أن تضعف المقترحات الساعية إلى تقسيم الموصل ونينوى إلى كانتونات، تسكنها مجموعات عرقية أو عشائرية أو مذهبية محددة قدرة كل منطقة على حماية نفسها ضد الأخطار والتهديدات المستمرة للجماعات الجهادية الموحَدة. لا أحد يقول إن الخيارات ستكون سهلة أمام السلطات الحاكمة فى بغداد. أما السؤال الذى يطرح نفسه هو ما إذا كانت هذه السلطات مجهزة لدعم إعادة البناء، أم أنها ستضطر للإذعان لمطالب المصالح العرقية والطائفية المحلية. وفقا لها ربما يكون الخيار محدودا فى هذه المسألة. وربما تضطر بغداد للاستسلام بشروط، خصوصا وأن هؤلاء المنافسين المحليين تدعمهم قوى خارجية لا يستهان بقوتها، جيدة التمويل ولديها أجنداتها الخاصة.
وعليه تقدم إدواردز نصيحة بأنه على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفكر مليا قبل دعم مطالب الانفصال من قبل زعماء مثل النجيفى ومسعود البرزانى. كما أنه لابد من التأكد من الدوافع وراء تحالف المصالح الحالى، فالمقترحات التى تؤدى إلى تجزئة السلطة على المستوى الإقليمى، والتى تفتقر إلى جودة التمثيل أو الانسجام ستؤدى بالنتيجة إلى تهميش الفئات الضعيفة. 
وتختتم إدواردز مقالها بأن بعد استعادة الموصل، ستمر المحافظة بمرحلة طويلة وشاقة لإعادة الإعمار واستعادة الحكم، الأمر الذى سيتطلب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من جديد. وفى الحقيقة، فإن شروع التحالف المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية بهجوم عسكرى ضد داعش فى الموصل ونينوى ينطوى على دور تضطلع به أمريكا فى تسويات ما بعد التحرير. ولذا تامل ألا تُقسيم غنائم الموصل ونينوى بين الظافرين المسلحين، بل أن يحل الأمن ويُطبق القانون على قدم المساواة، ودون محاباة طرف على حساب طرف آخر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved