المجاهد الأوروبى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

اتفقنا، دائما، وجميعنا تقريبا، أن الجوع والجهل والتهميش أسباب رئيسية، وجوهرية، لأخذ الناس من أيديهم إلى مصانع التطرف والإرهاب، بدافع من اليأس والإحباط. وأنَّه ليس التدين دائما، بل ليس التدين غالبا، هو الذى يقف وراء ذلك!

طيّب؛ إذا اتفقنا على ذلك؛ وأن المجتمعات الطاردة (بسبب الجهل والجوع والتهميش) هى التى تصّدر مشاريع الإرهابيين، فما الذى يدفع فرنسيا إلى إحراق جواز سفره والالتحاق بـ«داعش»؟! ما الذى يدفع شبابا أوروبيين يعيشون فى دعةٍ من أمرهم، ووسط رفاه اجتماعى لم يسمع به الشرق ولا يتخيله، وفى كنف حكومات تسهر (تسهر فعليا) على راحتهم وتأمين كل احتياجاتهم من الكماليات (فمن المخجل أن تتحدث عن الأساسيات فى هذه المجتمعات)، إلى أن يجيئوا إلى الجبال الوعرة ليخوضوا حربا ليست حربهم، وأن يتورطوا فى حفلة إعدامات جماعية، وأن يعرّضوا أنفسهم للقتل؟!

هذا ما يشغل كثيرا من مراكز البحث، والصحف، والدارسين، فى أوروبا، الآن. وللأسف، لم يخلص أحد لأسباب مقنعة تماما. ففى قراءة لـ«إيكونوميست» قبل فترة، قالت إن «الجهاد الخمس نجوم»، وسهولة الحصول على الوجبات السريعة ومشروبات الطاقة والإنترنت، وهو ما يوفره «داعش»، جلب هؤلاء الشباب. وهذا تسطيح للفكرة؛ إذ لم يكن هؤلاء يعانون فى أوروبا من صعوبة الحصول على وجبات سريعة أو من ضعف الإنترنت! والسؤال هو: لماذا اختاروا الجهاد من حيث المبدأ، بغض النظر إن كان 5 نجوم أو 7؛ كما يتوفر لآخرين تصرف لهم السبايا كمكافأة نظير جهودهم فى الحرب؟!

تقرير آخر قال إن التنظيم يحتاج هؤلاء ويجندهم بسبب حاجته لمتحدثين بالإنجليزية، لتسجيل فيديوهات تخاطب أهل الأسرى الأجانب و.... وهو أيضا كلام غير مقنع! فيما ذهبت تقارير أخرى إلى الحديث عن الإحباط والفقر الروحى الذى يسود المجتمعات الأوروبية الجشعة والمادية، والرأسمالية التى نهشت أرواح الناس.. إلخ! وأن إغراءات ووعود الجنة هى ما يجىء بالشباب الأوروبيين هنا، رغم أن فكرة هذه الوعود هى بدورها فكرة مادية بحتة!

فى المحصّلة، لا أحد يقدم إجابات شافية تشرح كيف تلقى هذه التنظيمات قبولا ورواجا بين شريحتين متناقضتين من الناس! وهنا على الأغلب، يتدخل العامل الفردى الذى يقود صاحبه؛ فلا توجد شريحة أو فئة من الناس تمثل طائفة أو عائلة أو مدينة أو بلدا، ذهبت بأكملها إلى هذا التنظيم، إنما هو يجمع الأشتات والأفراد من كل أصقاع العالم، والمتحدرين من ظروف ومرجعيات وبلدان ومجتمعات مختلفة بل ومتناقضة. وهذا يعنى أن حالة معينة فردية تجمع هؤلاء، لكنها لا تتحول إلى سمة عامة. فهم أسرى ظرف شخصى، أو حالة احباط حدثت لكل واحد وحده، فى ظرف مختلف ولسبب مختلف، لكنها أدَّت إلى ذات النتيجة: الانتحار على هذا النحو! فليس مقنعا للأوروبى، بشكل من الأشكال، أن يموت من أجل «أنهار خمر» أو «حور عين»، لأسباب نعلمها جميعا! فضلا عن أننا نتحدث هنا عن شخص ليس فى ذاكرته الفردية أو الجمعية وقعٌ مقدس لكلمة «الجهاد»، أو الآيات القرانية التى تحض عليه. وهو ليس من مجتمع تترقرق عيناه عند قراءة القرآن، وليس لديه هوى أو ارتباط عاطفى وتراثى وجينى بالدين، ولم يعتد أن يرى قريباته يزغردن عند عودة القتلى، ولا يهنئون بعضهم بذلك، ولا يقيمون عرسا يزفون فيه ابن العم الذى قتل دفاعا عن... إلخ!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved