السياسة حين تبهر

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:30 ص بتوقيت القاهرة

تستطيع السياسة حين تستقر صناعتها وممارستها كنشاط تعددى يبتغى إدارة «الشأن العام» لتحقيق «الصالح العام» وتوظف برشادة مؤسساتها وأدواتها وإجراءاتها أن تغير بإيجابية المجتمع والدولة وتضعهما على مسارات آمنة للتقدم وتجاوز الأزمات. تستطيع السياسة أن تفعل ذلك وأكثر ومع حضور أطراف متنوعة تصارع على الحكم وتتكالب على مواقع النفوذ والتأثير التشريعية والتنفيذية وتشارك فى معارك انتخابية بالغة القسوة، شريطة التزام الجميع بسيادة القانون وبالتداول السلمى للسلطة وبمبادئ العلنية والسلمية ونبذ العنف وكراهية الآخر. تستطيع السياسة أن تفعل ذلك وأكثر وفى ساحات للنقاش العام تسيطر على بعضها الرؤى المتطرفة والأفكار التحريضية ومع حدوث تغول محدود ومؤقت من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية، شريطة أن يتسم النقاش العام فى المجمل بالعقلانية وأن يكون تقديم الصالح العام على الحسابات الضيقة للأطراف المشاركة فى السياسة هو سبب التغول المحدود والمؤقت.

شىء من هذا أخرجته يوم الخميس الماضى إلى العلن السياسة فى الولايات المتحدة الأمريكية على نحو يستحق الإشارة الإيجابية؛ دون أن نتناسى كون نفس السياسة هى التى تهمش الفقراء والقطاعات السكانية محدودة الدخل من العمليات الانتخابية وتتيح للمصالح الاقتصادية والمالية والحزبية الكبرى وجماعات الضغط نفوذا متصاعدا فى إدارة الشأن العام، وهى التى تنتج تورط القوة العظمى فى انتهاكات لحقوق الإنسان فى سياق حربها على الإرهاب وهوسها بالسجون السرية وتقنينها للتنصت على شعوب الأرض، وهى التى تمكن أيضا من استمرار الانحياز السافر للاستعمار الاستيطانى والاحتلال الإسرائيليين وضد الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة، وهى التى لا يجوز أبدا إضفاء صفات المثالية والإنسانية عليها.

يوم الخميس الماضى، أصدر باراك أوباما «أمرا تنفيذيا» يتيح لقطاع واسع من المهاجرين غير الشرعيين فى الولايات المتحدة الأمريكية (تضع تقديرات مختلفة عددهم الإجمالى حول 12 مليونا) تقنين أوضاعهم والحصول رسميا على حق العمل ويجرم ترحيلهم (رحلت السلطات الأمريكية خلال العامين الماضيين ما يقرب من 800.000 من المهاجرين غير الشرعيين) وفقا لشروط محددة (أبرزها أن يكون قد مر على إقامة المهاجرة غير الشرعية أو المهاجر غير الشرعى فى الولايات المتحدة 5 أعوام على الأقل وأن يكون لها أو له ابنة أو أبن ممن ولدوا على أرض أمريكية أو اكتسبوا الجنسية).

أمر أوباما التنفيذى، وهو وفقا لتصريحات المسئولين فى إدارته ولنقاشات الصحافة والإعلام سيمكن 5 ملايين من المهاجرين غير الشرعيين من تقنين أوضاعهم، يغير جذريا واقع المجتمع الأمريكى فى مجالات حيوية كالعمل والضمانات الاجتماعية وحق الرعاية الصحية وأيضا فيما خص دفع الضرائب الفيدرالية وضرائب الولايات ــ وللسبب الأخير تحديدا سيعود أمر أوباما التنفيذى على الخزانة الأمريكية بالمزيد من إيرادات الضرائب وينهى شقا واسعا من علاقات العمل غير الرسمية التى تضيع على الحكومة الفيدرالية وعلى الولايات ضرائب مستحقة، وللسبب الأخير كذلك تدفع إدارة أوباما بأن الأمر التنفيذى يضيف ولا يهدر الموارد العامة كما يزعم الجمهوريون المعارضون.

أمر أوباما التنفيذى يغير جذريا من فعل مؤسسات الدولة تجاه ملايين يعيشون فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات والكثير منهم منذ عقود، وينهى منهج التعامل مع قضايا الهجرة غير الشرعية عبر ممارسات كالترحيل تنتهك الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية وعبر التأجيل والتحايل التشريعى من قبل الكونجرس بقوانين جزئية وبرفض لوضع حلول حقيقية موضع التنفيذ خوفا من المزاج المحافظ لقطاعات من المواطنين الأمريكيين. يفعل أمر أوباما ذلك وأكثر، إلا أنه يمثل ولا شك تغولا من قبل السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية التى رفضت أكثر من مرة تمرير قوانين تواجه قضية الهجرة غير الشرعية بجدية بحكم سيطرة الحزب الجمهورى على مجلس النواب قبل الانتخابات الأخيرة والآن على مجلسى النواب والشيوخ، تغول محدود ومؤقت لكن بهدف إدارة رشيدة للشأن العام وللصالح العام.

غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved