متى ستجيب القمم الاقتصادية العربية عن هذا السؤال؟

علي محمد فخرو
علي محمد فخرو

آخر تحديث: الجمعة 25 يناير 2013 - 8:59 ص بتوقيت القاهرة

دعنا نتبيَّن واقع وجديّة وفاعلية القمم العربية الاقتصادية بإبراز النقاط التالية:فأولا انعقد أول مؤتمر قمَّة اقتصادية عربية عام 1980، أى منذ ثلث قرن. تميّز ذلك المؤتمر بالتركيز على مداخل استراتيجية كبرى من مثل تهيئة الإقتصاد العربى للمعركة ضد التخلف، ومن مثل توظيفه لخدمة قضايا الأمة العربية وفى مقدمتها تحرير فلسطين، ومن مثل إقرار ميثاق عمل اقتصادى قومى. وقد هلل الكثيرون بذلك الإنجاز الذى عبق بالرُّوح والتوجّهات القومية. لكن نفس المؤتمر تقاعس إزاء جديّة التنفيذ فرفض مقترحا بخلق هيئة عربية عليا للإشراف على تحويل المقررات إلى مشاريع وتنفيذها. من هنا توقَّفت المسيرة تلك عندما اجتاحت الوطن العربى ردة قومية قادها الخارج والقوى الرجعيّة الدّاخلية، والتى أدّت بدورها إلى صعود الكثير من الأنظمة السياسية العربية المتورٍّطة قياداتها فى الفساد المالى والذممى، والمتحمسة لقبول إملاءات المؤسسات الاقتصادية العولمية، والمؤمنة لاحقا بالفلسفة الليبرالية الجديدة الحاملة لواء الرأسمالية الأنانية المتوحشة الفاقدة لأى ضمير اجتماعى إنسانى. كل ذلك أدى إلى دخول تلك الاستراتيجيات والمواثيق الواعدة فى صندوق الثلج، حيث تجمدت ودخلت فى سبات عميق دام أكثر من ربع قرن.

 

وثانيا، عندما عاد الوعى بأهمية بناء كتلة اقتصادية عربية على المستوى الإقليمى لتواجه أهوالًا وإملاءات وأخطار شطط العولمة، انعقد اجتماعا قمتى الاقتصاد والتنمية العربيّتين فى عامى 2009 و2011. ولم تكن قرارات كلتيهما أقل جدية أو تطلُّعا لقيام كتلة اقتصادية عربيّة مر على الحلم بها أكثر من ثلث قرن. وها أن قمة رابعة قد انعقدت منذ يومين فى الرياض لتكمل المشوار، بل وتضيف عليه.

 

•••

 

ومع ذلك فإن المراقب لا يستطيع إخفاء شعور قلق داخلى يساوره بشأن تلك القمم، إذ إن جميع تلك القمم تجنّبت طرح السؤال التالى: أى دور سيلعبه البترول والغاز العربى فى إحداث التنمية العربية الشاملة وفى مقدمتها الجانب الاقتصادى؟ ذلك أنه ما لم تتفق أنظمة الحكم العربية، بل وقوى المجتمعات العربية، على إجابة واضحة وصريحة وملزمة لذلك السؤال فإن القمم الاقتصادية العربية ستظلُ تدور حول نفسها بين مدّ وجزر وبين نوم ويقظة كما فعلت عبر الثلاث والثلاثين سنة الماضية.


لماذا يجب أن يطرح ذلك السؤال؟ لأن قاطرة التنمية الاقتصادية العربية لا يمكن أن تكون سوى فوائض الثروة البترولية والغازية العربية الهائلة. أما الاستثمارات العولمية الأجنبية وتفضُّلات صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والمنح الأمريكية والأوروبية المشروطة فلن تكون أكثر من إضافات هامشية لن تتجه إلى قلب إشكاليات التنمية العربية الحقيقية.

 

دعنا هنا ننشّط ذاكرة قادة الأنظمة العربية. فالسؤال الذى نطالب بطرحه الآن قد وجه منذ عام 1977 عندما كوّنت الجامعة العربية آنذاك لجنة خبراء استراتيجية العمل الاقتصادى العربى المشترك التى خرجت بالتوصية التالية: «فى اعتقادنا أنه لابد من ارتباط عضوى ونظامى ومعروف ومعلن بين الثروة البترولية والتنمية العربية. صحيح أن دول اليسر تقدم المساعدات بسخاء، وأكثر مما هو معروف، ولكن لابد من أن يكون هناك ارتباط بين الاثنين ــ ارتباط شريكين ــ لا ارتباط مساعدة من طرف لطرف «ولقد قدمت اللجنة مقترحات تنفيذية رفضتها قمّة عام 1980، ولم يجرؤ أحد منذ ذلك الحين على العودة إلى ذلك الموضوع. وإنها لمن سخريات القدر أن يكون أول من رفع قبل ذلك بكثير شعار «نفط العرب للعرب» هو المرحوم عبدالله الطريقى، وزير البترول الأسبق لأكبر وأهم دولة عربية بترولية. ولم يقصد ذلك الوزير القومى العروبى الهوى بذلك الشعار استعادة كل دولة بترولية عربية سيطرتها على ثروتها الوطنية تلك من أيادى شركات البترول الأجنبية فقط، وإنّما قصد أكثر من ذلك بكثير، إذ أراد أن يستفيد كل العرب من ثروة البترول إنتاجا وتصنيعا وعائدات.

 

•••

 

اليوم نحتاج عندما نطرح ذلك السؤال على أنفسنا أن نطرحه بنفس الروح القومية العروبية، بحيث تلتحم الثروة البترولية والغازية التى عند البعض التحاما تكامليا وعضوياُ والتزاما دائما بالإمكانات البشرية والثروات الزراعية والمائية والمعدنية والجيو ــ جغرافية وبضخامة المساحة التسويقية التى عند البعض الآخر.


عند ذاك لن تضيع مليارات الدولارات العربية إبّان كل أزمة مالية عولمية تصيب أسواق الغرب الرأسمالى، ولن تستطيع مؤسسات المال الدولية فرض شروطها، وسيكون كل العرب فى وضع تفاوضى أفضل أمام كتل الاقتصاد العالمية الأخرى المنافسة أو الطامعة. بروح التفاؤل والثقة فى أن الأجواء العربية الجديدة التى جاءت وستجيئ بها ثورات وحراكات الربيع العربى ستضفى جديّة والتزاما قوميا أكبر على مؤتمرات القمم العربية نتطلّع إلى أن تجيب المؤتمرات القادمة عن السؤال الذى طرحه الكثيرون فى الماضى ويعاود البعض طرحه فى الحاضر. إنه سؤال فى صميم النهضة العربية التى طال أمد انتظار مجيئها. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved