أغنيتان .. على الممر

أيمن الصياد
أيمن الصياد

آخر تحديث: الأحد 25 يناير 2015 - 1:40 م بتوقيت القاهرة

عندما تفضل الفنان «الإنسان» حمزة نمرة فأهداني ألبومَه الجديد «اسمعني»، كنت أتمنى أن لا أجد فيه ما توقعته من إحساسٍ بالغربة؛ أعرف أن سحابته السوداء الثقيلة قد خيمت للأسف على نفوس جيل كان قارب السحاب بأحلامه في مثل هذا اليوم البعيد من العام ٢٠١١: «الخامس والعشرين من يناير».

كنّا شبابًا في منتصف سبعينيات القرن الماضي عندما ذهبنا «رفاقًا» لمشاهدة رائعة يوسف شاهين، التي كنا قد أدمناها «عودة الابن الضال». هل تذكرون «علي / أحمد محرز» بطل الفيلم الشاب يعدو بجوار السور الحديدي لهندسة الإسكندرية، وكلمات العبقري صلاح جاهين تصدح في الخلفية، تعبيرا عن إحباط جيل يلهث بحثا عن حلمه الذي تبخر في صحراء ١٩٦٧؟ تذكرته وأنا أستمع إلى حمزة نمرة (يناير ٢٠١٥):

«احنا الجيل اللي شاب وهو شباب ..

كل حلم بألم كل خطوة بعذاب ..

شيلنا هم الحياة. دوقنا مرّ السنين ..

لأ، وعايزينّا برضه نعيش مذلولين ..

لا.. كلمة واحدة هقولها ليك ..

لا.. مش هبقى نسخة من ماضيك

...........

اسمعني..

انت اللي بتضيعني..

للماضي بترجعني..

وعايز تحبسني فيه..

أحلامي..

انت اللي قضيت عليها..

لما اتحكمت فيها..

طب فاضل ليا إيه»

•••

بحكم العمر، والشعر الأبيض، ونوستالجيا لا نملك منها فكاكًا، لم أقترب كثيرا من أغنيات هذا العصر وإيقاعاته. ولكن إدراكا لحقيقة أن هذا الجيل الذي حاول في مثل هذا اليوم قبل سنواتٍ أربع أن يخرج بمنطقتنا إلى آفاق عصر جديد، هو الذي، رغم كل «النكسات» يملك المستقبل. كان علي أن أفعل، مسترجعًا ما غنوا واستمعوا. منصتًا لأفهم .. وأتعلم.

•••

يناير ٢٠١١

بعد ما يقرب من أربعين عاما نسى فيها المصريون الأغنيات التي تتغنى بحب الوطن، كان المصريون قد ضبطوا نغمات هواتفهم النقالة على أغنية عزيز الشافعي ورامي جمال «يا بلادي .. أنا بحبك يا بلادي». وكانت قنوات التلفزيون التي أفاقت على النشوة، تكاد لا تبث غير أغنية أنغام؛ المختصرة جدًا.. والبسيطة جدًا .. والواضحة جدًا؛ «يناير» التي كتبها إسلام حامد:

«كنت فاكره الارض ثابته والسنين متكررين..

كنت فاكره الجنه ابعد من ايادي الطيبين..

كنت بضحك قد ما اقدر..

كنت شايفه الصورة اصغر..

بعنيا الضيقين..

فجاه هز الدنيا صوتكوا..

والحياة رجعت بموتكوا..

والسنه اتسمت يناير..

شلتوا عن عينا الستاير..

وانكشف عالم جميل..

درس من قلب الميدان..

للي خايف من زمان..

عدتوا ترتيب المكان..

واحنا ليكوا مديونين»

•••

ثم كان، «يغمره الأمل» أن غنى الشباب مع حمزة نمرة ومحمد دياب:

«إرفع راسك إنت مصري..

إنت واحد م اللي نزلوا في الميدان..

إرفع راسك إنت مصري..

إنت وقفت جنب جارك في اللجان..

إرفع راسك إنت مصري..

إنت رجعت المصري بتاع زمان»

...........

يومها، كان الشباب الثائر فى «الميادين» قبل أن يذهبوا بهم إلى المقابر أو «الزنازين».

ويومها، أكرر لنتذكر: كانت وسائل الإعلام تتحدث عن الورد «اللي فتح فى جناين مصر»، وكان ممثل المجلس العسكري يرفع يده بالتحية العسكرية «تعظيم سلام» لأولئك الذين ضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم. قبل أن يرى البعض أن هذا «الورد»، هو الأكثر إزعاجًا لأنه لا يعرف «السمع والطاعة». وقبل أن تتفرغ قنوات «البعض الآخر» لتشويه أولئك الذين أسميناهم «وردا» في يوم من الأيام.

كان الخطرُ باديًا في الأفق. وأيامها كانت عايدة الأيوبي التي كانت قد هجرت الغناء، عادت إليه لتغني مع فريق «كايروكي» للميدان الذي بدا سيتغير، بعد أن لعبت فيه الأهواءُ .. والأصابع:

«ميدان مليان انواع ..

اللي بايع والشجاع ..

فيه اللي حابب ..

واللي راكب ..

واللي بيزعق واللي ساكت..»

...........

لتنتهي إلى:

«ساعات بخاف تبقى ذكرى ..

نبعد عنك تموت الفكرة ..

ونرجع تاني ننسى اللي فات ..

ونحكي عنك في الحكايات..»

...........

ثم كان كل ما كان .. مما نعرف، ومما لا نعرف؛ مما لا يزال في «صناديقه السوداء» المغلقة.