حتى يغيروا ما بأنفسهم: 4- «بل الإنسان علىٰ نفسه بصيرة»

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 25 يناير 2018 - 10:50 م بتوقيت القاهرة

بعد أن يفارق الإنسان مهد الطفولة مسرح الصبا والفتوة مرورا بمراهقة الشباب يجد نفسه على أبواب رجولة وكهولة (33 ــ 40 سنة).. هنا يجب عليه أن يراجع نفسه قبل أن يراجعه غيره، ويجب عليه أن يبدأ بنفسه قبل أن ينتظر غيره.

ــ1ــ

هل سألت نفسك كم تكونى؟ فحولك من ولدوك ومن يطعمونك ويسقونك، ومن يسترونك ويأوونك، فأين أنت يا نفس من كل هؤلاء؟ هل سألتها كم تكونى بين من رافقوك فى الحضانة ثم الابتدائى فالإعدادى فالثانوى وليست الجامعة منك ببعيد.. كم تكونى بين زملاء فاقوك فى التقدير ومعيدين ومدرسين وأساتذة قطعوا من وقتهم وعلمهم ليصنعوك؟!! هل سألتها كم تكونى بين الممرضين والأطباء الذين عالجوك؟ وهؤلاء الصيادلة الذين أسعفوك.. وما قدرك بين هؤلاء الذين صمموا لك البيت ثم شيدوه وأسكنوك.. هل تتناسى كل ذلك ولا ترى إلا ذاتك؟!

ــ2ــ

وقد فتح الله لك نوافذ أخرى فها أنت تسعد بانضمامك إلى عمل فترى نفسك بين زملاء سابقين أو لاحقين.. ورأيت نفسك تلميذا مرة أخرى أمام رؤسائك ومديريك الذين تطوعوا أن ينقلوا خبرتهم إليك، وما أن يصححوا أخطاءك، وأن يسدوا غيابك.. حقا كيف ترى نفسك فى ميدان عملك؟ هل علمت نفسك؟ هل مارست العمل منفردا؟ هل أنجزت شيئا دون سواعد الآخرين؟ فكيف تسول لك نفسك أن تتجاهل من أحاطوك؟ ولولا عطاؤهم ما كنت لتبقى أو تستمر خطوة فى مسيرة حياتك العملية.. لماذا لا تتصدى لدواعى التجبر والكبر؟ ولماذا لا تسمع قوله تعالى: ((يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذى خلقك فسواك فعدلك  * فى أى صورة ما شاء ركبك)).

ــ3ــ

الذى خلقك سبحانه قد خلق ملايين ومليارات يتفوقون عليك بالكثير الكثير.. والذى سواك سبحانه سوى بشرا يراجعون أنفسهم ويمنعونها من الغرور.. والذى عدلك فأقامك معتدلا خيرا من الأنعام والبهائم.. فلا تتغابى ولا تتجاهل الحقائق حتى تهوى من اعتدالك.

أيها المسلم إياك والغرور الذى ينسيك طفولتك وعجزك والكبر الذى يعميك عن الحق ويزين لك الباطل.. إياك والغرور فإنه ينسيك أنك عبد فتظن أنك رب قادر.. أما سمعت أو قرأت قوله تعالى: ((كلا إن الإنسان ليطغىٰ * أن رآه استغنىٰ)).

ــ4ــ

يا أيها الإنسان.. إذا نسيت فلا تنس أنك ذاهب حيث غاب أبوك.. ذاهب قسرا إلى التراب، فاصنع لنفسك شاهدا ورفيقا يدافع عنك.. وإذا نسيت فلن تنسى أن موسى عليه السلام قد مات وأن فرعون عليه اللعنات قد مات.. فالموت يجمع الصالح والطالح، وهو النهاية المحتومة لكل بشر.. لكن عدل الله يعطى كل ذى حق حقه.. فإذا الصالح ينعم بما قدم لنفسه فأدبها وهذبها وأوقفها عند حدها.. فنفسك التى بين جنبيك أحوج إلى التأديب والتهذيب قبل أن يؤدلها غيرك أو قبل أن يحاسبها الله..
يتبع

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved