نساء هناك ونساء هنا

جميل مطر
جميل مطر

آخر تحديث: الخميس 25 فبراير 2010 - 10:09 ص بتوقيت القاهرة

 تحقق لنساء أمريكا اللاتينية نصر جديد عندما فازت لاورا شنيشيللا LAURA CHINCHICCA فى انتخابات الرئاسة فى كوستاريكا وحصلت على 47٪ من أصوات الناخبين، بهذا الفوز تستحق شعوب أمريكا اللاتينية أن تفخر بأنها حققت ما لم تحققه قارة أخرى، ففى أقل من ثلاثة عقود هى عمر الموجة الديمقراطية الثالثة، تولت منصب رئاسة الجمهورية فى دول أمريكا اللاتينية أربع نساء، سبقتهن جميعا إيزابيلا بيرون الزوجة الثانية للرئيس الأسبق خوان بيرون بعد عودتها من المنفى فى إسبانيا، لتتولى تشفيا فى العسكريين منصب رئاسة الجمهورية الأرجنتينية ومكتسحة فى الانتخابات مرشحى المحافظين والأحزاب اليمينية.

النساء الأربع اللائى تولين مناصب الرئاسة بعد إيزابيلا كن فيريزا موسكوزو MOSCOSO التى فازت بالمنصب فى بنما عام1999، وفيوليتا شامورو CHAMORRO التى تولت الرئاسة فى نيكاراجوا فى أعقاب الحرب الأهلية التى نشبت بين السانديسنيستاس اليساريين وعصابات الكونترا المدعومة عسكريا من جهاز الاستخبارات الأمريكية وأموال من دول فى الجزيرة العربية، وكريستينا فرنانديز كيرشنر التى رشحت نفسها للمنصب فى الأرجنتين بعد انتهاء ولاية زوجها، وميشيل باتشيليت التى تستعد الآن لمغادرة قصر الرئاسة فى تشيلى بعد انتهاء مدتها.

ولهذه الأخيرة قصة ستذكرها أجيال الحركة النسائية فى أمريكا اللاتينية لسنوات عديدة قادمة، وجدير بالحركة النسائية فى مصر دراسة حالتها وتجربتها، فقد اعترف لها السياسيون فى جميع أنحاء القارة اللاتينية ومن قابلتهم وتفاوضت معهم من قادة فى العالم الخارجى، بأنها «أعطت السياسة لمسة ناعمة فى بلادها وفى المحافل الدولية، واستطاعت خلال سنوات حكمها أن تقنع زعماء آخرين فى أمريكا اللاتينية بأن الدبلوماسية والقوة الناعمة أفضل بالتأكيد من الانشغال بالصراع والعنف، وبالطريقة نفسها تعاملت مع معارضيها فى الداخل ومع منظمات المجتمع المدنى والرأى العام».

***

لا يعنى هذا الاعتراف بمزايا سيدة تولت منصب رئاسة الجمهورية أن سيدة أخرى مكانها كانت ستحظى الاعتراف نفسه، فعلى الجانب الآخر من الحدود، أى فى الأرجنتين، عاشت الرئيسة كريستينا معظم أيام حكمها محرومة من حب الكثيرين فى بلادها، لأنها استخدمت أساليب غير ناعمة فى التعامل مع الفلاحين ومنظمات المجتمع المدنى وأجهزة الإعلام وكبار معارضيها.

ولاشك أن أمريكا اللاتينية تتميز على أقاليم أخرى، بل وعلى الولايات المتحدة نفسها، بالنسبة العالية لمشاركة النساء فى الحياة السياسية، وان كانت هذه النسب تتراوح بين دول ودول أخرى فى القارة. ففى الأرجنتين مثلا تصل نسبة النساء إلى مجمل أعضاء مجلس النواب الأربعين بالمائة، وهى نسبة يندر أن توجد فى دول أخرى، وتصل فى كوستاريكا إلى 37٪، ولكن لظروفها الخاصة وأيديولوجياتها وتقدمها الاجتماعى تقف كوبا فى الصدارة حى تصل النسبة إلى 43٪، بينما لا تزيد النسبة فى 16٪ فى الولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن هذا الاتجاه متصاعد وصارت المنافسة بعد نظم الحكم فى الدول الناطقة بالإسبانية تدور غالبا حول تمثيل النساء فى الحياة السياسية.

ففى إسبانيا فاجأ ثاباتيرو رئيس الوزراء الاشتراكى أوروبا بأسرها عندما شكل حكومة تسع من وزرائها من النساء وثمانى من الرجال، وفى مجمل قارة أمريكا اللاتينية يصل متوسط عدد الوزراء من النساء إلى نسبة 25٪ من مجمل الوزراء حسب دراسة حديثة أصدرها بنك أمريكا اللاتينية للتنمية، وبعدها أعلن إيفو موراليس رئيس جمهورية بوليفيا أنه سوف يشكل حكومة جديدة يتقاسم مناصبها بالتساوى النساء والرجال.

تثير تجربة مشاركة النساء بهذه الكثافة ملاحظات عديدة، بعضها يتعلق باستنتاجات لم تكن متوقعة، لوحظ مثلا أنه فى معظم الحالات تتعرض النساء من السياسيين إلى معاملة فظة وغير متحضرة من أجهزة الإعلام، وأحيانا يجرى التغافل كلية عن نشر أخبار الوزارات التى ترأسها سيدات، ولا تخفى أوساط نسائية غضبها لاعتقادها أن تجاهل الإعلام لإنجازات المرأة التى تعمل فى السياسة سلوك متعمد وبنية سيئة، ويدل على أن مشكلة التحيز ضد المرأة لازالت طاغية ومسيطرة على عقل الرجال.

لوحظ أيضا أن منظمات تمكين المرأة والمنظمات المماثلة لها فى المجتمع المدنى تميل إلى انتقاد المرأة التى تصل إلى مناصب حكومية. وتؤكد تقارير منشورة فى أمريكا اللاتينية أن الفجوة اتسعت على عكس ما كان متوقعا، بين الأحزاب السياسية، وبعضها تشكل النساء فى عضويته نسبة النصف، وبين منظمات المجتمع المدنى، ولوحظ، أن المرأة، فى بعض الحالات، تخلت عن معتقداتها الأيديولوجية عندما تولت المنصب الوزارى، وأصبحت أشد واقعية من أقرانها من الوزراء الرجال.

***

تشير التجربة فى أمريكا اللاتينية إلى أن الحركة النسوية العالمية وصلت أخيرا إلى مستقر هدأت عنده وربما بدأت فى إعادة النظر فى مسلمات كثيرة نشأت فى وقت ما من أواسط القرن العشرين ثم تضخمت، وبعضها تجاوز الحدود، وهى الآن تبحث عن نمط جديد تتناسق فيه مقدمات الحركة. ففى فرنسا مثلا شنت قطاعات قوية فى المجتمع المدنى حملة لتوعية النساء صغار السن والفتيات المراهقات ليتخذن موقفا مؤيدا لحق المرأة فى إجازة، تقوم فيها المرأة بإرضاع مولودها رضاعة طبيعية، وشعار الحملة «أمهات كاملات» يرضعن أطفالهن ويمكثن بجوارهم ستة أشهر على الأقل.

وتقول إليزابيث بادينتر Badinter فى كتابها بعنوان «الصراع والنساء والأمهات» إن «المرأة الكاملة» هى فكرة هدفها الضغط على النساء العاملات للإصرار على عدم العودة إلى العمل إلا بعد ستة أشهر من بدء إرضاع المولود الجديد، وعدم تعاطى مسكنات للألم خلال عملية الولادة والامتناع عن استعمال الحفاضات القابلة للتخلص منها بعد استخدامها والعودة إلى الحفاضات القابلة للاستخدام المتكررة، بالإضافة إلى ذلك تلتزم الأم الكاملة بأن ينام طفلها معها فى فراشها ولا تتخلص منه فينام منعزلا أو مع شخص آخر.

***

تأتى هذه الحملة، فى الحقيقة، فى وقت تحاول دول عديدة فى أوروبا إنقاذ نفسها من الذبول، وربما الزوال، إذ إنه مع استمرار انخفاض عدد المواليد وعزوف النساء عن الإنجاب كادت مدن صغيرة عديدة فى إيطاليا، وفى ألمانيا خاصة، تخلو من الفتيات صغار السن اللاتى يؤثرن الرحيل منها عن العمل فى مدن ودول أخرى، يفضلن العمل خارج مدنهن وقراهن على البقاء والزواج وإنجاب أطفال فيها، حتى صارت مدن كثيرة فى أوروبا تستحق ما قيل عنها «مدن بدون غرض فى قارة بدون مستقبل». لذلك، وفى وقت مبكر، أصدر البرلمان الأوروبى تحذيره الشهير فى عام 1984، الذى جاء فيه أن نسبة نصيب أوروبا من سكان العالم قد تصل إلى نصف ما هى عليه فى مطلع القرن الحادى والعشرين مقارنا بمنتصف القرن العشرين، وهو ما يعنى حسب تحذير البرلمان أن مكانة أوروبا ستتقلص فى العقود «القادمة».

يضربون المثل بإيطاليا. إذا استمر معدل الخصوبة فيها على ما هو عليه ستفقد 86٪ من سكانها الإيطاليين قبل نهاية القرن الحادى والعشرين. أما إسبانيا فلن يبقى على أراضيها من السكان الإسبان سوى 83٪. إن استمرار تدهور نسبة الخصوبة فى أوروبا سيؤدى إلى عجز شديد فى عدد الفتيات، بمعنى آخر سيؤدى إلى نقص شديد فى الطاقة الإنجابية، بما يعنيه هذا من تدهور فى العائدات الضرائبية والقوة الإنتاجية. بمعنى آخر سيؤدى إلى أن مدنا كثيرة وربما دول لن تجد من يسكنها، ومساحات هائلة من الأراضى لا تجد من يفلحها وبنية تحتية هالكة لا تجد أموالا لإصلاحها. قارة أوروبا فى انحدار، والسبب فى الأصل إن المرأة الأوروبية اختارت الهجرة إلى العمل وفضلتها على الزواج ورفضت الإنجاب. لذلك تأتى تجربة النساء فى أمريكا اللاتينية درسا قيما للنساء فى أوروبا وفى غيرها من القارات. هناك فى أمريكا اللاتينية استطاعت المرأة التوفيق بين الحاجتين، حاجة الخروج إلى العمل والحاجة إلى الإنجاب، وأضافت إليها حاجتها إلى أن تشارك الرجل فى السياسة والحكم.

***

أقارن وأتألم. لا أصدق كيف سكتت المرأة المصرية عن آخر إهانة لحقت بها حين قرر عدد من الرجال حرمانها من حقها فى أن تقف معهم ندا وشريكا فى المواطنة والعدالة فى ساحات مجلس الدولة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved