الإرهاب وليس الفقر هو من يقتل المصريين

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 25 فبراير 2015 - 8:55 ص بتوقيت القاهرة

«المصريون تم ذبحهم فى ليبيا وهم يبحثون عن لقمة العيش، ولو أن حكومتنا ناجحة وأحوالنا مستقرة ما سافر هؤلاء إلى الخارج، وما تعرضوا للذبح».

هذه المقولة كررها الكثير منا فى وسائل الإعلام وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى، من دون تمحيص أو اختبار حقيقى لمدى صحتها.

أغلب الظن أن هذه المقولة غير صحيحة إلى حد كبير، ونرددها كثيرا مثل الببغاء دون محاولة اختبارها.

طبعا لا أحد ينكر أننا نعانى من أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات طويلة، وسوف تستمر لسنوات لأسباب معقدة.
لكن نحن لا نلاحظ أن غالبية الدول الكبرى والمتقدمة لديها أزمات اقتصادية أيضا، والأهم لديها نسبة بطالة تتراوح بين ٥٪ و10٪.

الولايات المتحدة بجلالة قدرها نسبة البطالة فيها بلغت عام 2014 نحو 6% وفى عام 2008 بلغت نحو 9%، فهل إذا فكر هؤلاء العاطلون فى السفر إلى أى مكان للعمل، وتم خطفهم من قبل بعض التنظيمات الإرهابية فسوف يخرج بعض المعارضين الأمريكيين للقول إن الجوع هو سبب مقتل هؤلاء الأمريكيين أو الأجانب فى الخارج؟.

يعلم كثيرون أن شركات أمريكية كبرى نقلت نشاطها إلى بلدان فى جنوب شرق آسيا والخليج بحثا عن حوافز أفضل فى الإنتاج.. فهل هذا يبرر قتلهم فى الخارج؟.

الهند هذه الدولة الواعدة وسريعة النمو التى يضرب بها المثل فى التقدم، الآن لديها ملايين الفقراء والباحثين عن عمل، وجزء كبير منهم يعمل فى بلدان خارجية كثيرة خصوصا الخليج.. فهل إذا تعرض أحدهم لمكروه على يد إرهابيين، يتم اتهام الفقر والجوع بأنه السبب فى مقتلهم؟.

الفلبين ينطبق عليها المثل نفسه، عمالتها تنتشر فى معظم الدول العربية بل وأوروبا والولايات المتحدة، خصوصا فى مهن مثل السكرتارية والتمريض والخدمات المعاونة، وكذلك المثل مع أندونيسيا وبنجلاديش وباكستان.

مواطنون كثيرون لا يجدون عملا فى بلدان شرق أوروبا ويبحثون عن عمل فى البلدان الأوروبية ذات الاقتصاد المتقدم مثل ألمانيا، فهل هذا مبرر لقتلهم هناك؟.

للأسف كثير منا يخلطون بين أشياء لا يمكن خلطها. مرة أخرى هناك أزمة اقتصادية طاحنة فى مصر لكن هذا الإرهاب لا يبرر قتل المصريين فى ليبيا أو فى أى مكان.

وهناك أيضا تقصير تاريخى من قبل غالبية سفاراتنا فى حماية المصريين بالخارج لكن هذا أيضا لا يبرر ما يفعله الإرهابيون.

تعالوا نفترض أن مصر أفضل دولة فى العالم اقتصاديا، وكل مواطنيها يجدون فرص عمل فى بلدانهم ــ وهذا احتمال نظرى بحت غير موجود فى أى دولة بالعالم ــ فهل هذا سيمنع قيام الإرهابيين بخطف عدد بسيط من المصريين فى هذه الدولة أو تلك. سواء كانوا دبلوماسيين أو خبراء فى مهن متقدمة؟.

علينا أن نفرق بين الأزمات الاقتصادية ودور الحكومات المختلفة فى نشأتها واستمرارها، وبين التماس أعذار للإرهابيين؟.

عمالتنا فى ليبيا أو غيرها ذهبت إلى هناك بحثا عن العمل الشريف والرزق الحلال مثلما تفعل كل العمالة فى العالم، خصوصا أن العالم صار متداخلا بصورة غير مسبوقة.

الخطأ ليس هو الأزمة الاقتصادية، بل هو عقول الإرهابيين التكفيريين الضالة التى قامت بخسة منقطعة النظير بخطف عمال أبرياء يجلسون على مقاهٍ أو داخل مقر سكنهم. ما هى الرجولة أو الشهامة فى مثل هذا الفعل الإجرامى الوضيع؟.

وبالمناسبة حتى لو لم يهاجر هؤلاء «الغلابة» إلى ليبيا بحثا عن الرزق. فيمكن لبعض الإرهابيين أن يخطفوهم داخل مصر ويقتلوهم كما يحدث بالضبط فى سيناء.. فكيف نبرر هذا السلوك.. هل سنقول وقتها أيضا إن جوع المصريين وفقرهم هو السبب فى مقتلهم فى سيناء، أم نركز فقط على خسة ووضاعة الإرهابيين وفكرهم المنحرف؟!!.

يا أيها الإعلاميون لا تكرروا مقولات وكأنها حقائق، فيصدقكم الناس، ثم نكتشف أنها مقولات مضروبة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved