هوامش سياسية على دفتر أزمة البنزين والسولار

وائل جمال
وائل جمال

آخر تحديث: الإثنين 26 مارس 2012 - 9:28 ص بتوقيت القاهرة

هامش أول ــ مصر ــ مارس ٢٠١٢: أزمة وقود لا يصاحبها مخطط اسقاط مصر

 

عادت أزمة النقص الحاد فى البنزين والسولار. كانت مصر قد شهدت أزمة مماثلة قبل شهرين وتحديدا قبيل مظاهرات الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لثورة يناير، والتى تزامنت وقتها مع إعلان العسكرى عن مخطط دولى «لإسقاط مصر ومؤسسات الدولة خلال المظاهرات». الأزمة تعكس نفسها فى طوابير بالمحطات تمتد ٤ كيلومترات وتخنق المرور بالقاهرة، وتطيح بالمخابز البلدية بعد توقف عدد منها عن إنتاج الخبز البلدى المدعوم. الأزمة تضرب فى المحافظات، وتتسبب فى موجة من المشاجرات سقط فيها قتيل، وتخلق سوقا سوداء ساخنة. آثار النقص فى المواد البترولية تمتدمن النقل لقطاعات جديدة منها مراكب الصيد وصناعة السكر. رد فعل المواطنين يتفاوت بين إلقاء اللوم على حكومة الجنزورى والمجلس العسكرى الذى يدير البلاد، وبين اتهام الثورة بالتسبب فى تدهور الأوضاع.

 

هامش ثان ــ شيلى ــ أكتوبر ١٩٧٢: المصالح القديمة تخنق النقل والعمال يحبطون الخطوة

 

مرت سنتان على وصول سلفادور ألليندى عبر صندوق الانتخاب لحكم شيلى، التى سيطر عليها محافظون يمينيون لسنوات بالتحالف مع العسكر. كان نجاح ألليندى رئيسا تعبيرا عن ثورة سياسية حقيقية فى بلاد قام حكمها لعقود على ظلم اجتماعى بالغ وقمع سياسى غاشم. مثل الرئيس الجديد تحالفا من ٦ أحزاب لكن كسره لسيطرة المحافظين لم يكن ليتم دون صعود هائل فى الاحتجاج الاجتماعى فى الريف وفى المدينة. فبينما اكتفت حكومة فراى التى حكمت بين ١٩٦٤ و١٩٧٠ ببعض الاصلاح الزراعى والاجتماعى البسيط فى محاولة لإرضاء الفلاحين والعمال الغاضبين، تصاعدت الحركة الفلاحية، التى تحدت كل شيء بالاستيلاء على الأراضى، واشتعلت إضرابات العمال احتجاجا على تدنى الأجور. وارتفع عدد الإضرابات عام ١٩٧٠ إلى أكثر من ٥٠٠٠ إضرابا شارك فيها أكثر من ٣٠٠ ألف عامل. وبدأ العمال فى السيطرة على بعض المصانع وإدارتها ذاتيا ليرتفع عدد هذه المصانع بشكل مضطرد من ٢٤ عام ١٩٦٩ إلى ١٣٣ فى ١٩٧٠ إلى ٣٣٩ مصنعا عام ١٩٧١.

 

جاء ألليندى على خلفية هذه التحولات ومستندا عليها. لكن كان عليه أن يعقد اتفاقا مع الجيش والمتحكمين فى اقتصاد شيلى من كبار الرأسماليين فيما سمى بخطاب الضمانات يتعهد فيه بعدم امتداد برنامجه السياسى والاجتماعى لجوانب محددة كانت الحركة الجماهيرية تطالب بها.

 

لكن حركة الاحتجاج الاجتماعى تجاهلت اتفاق ألليندى كما ظهر من الأرقام مما بدأ يشكل تهديدا للسيطرة والمصالح الاقتصادية والأمنية ذات العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. واشتعلت المواجهة بين تحالف رأس المالــالعسكر وبين الفقراء المحتجين.

 

سيطر العمال والفلاحون فى أنحاء كثيرة على عملية الإنتاج لكن عملية التوزيع كانت خارج أيديهم. ومن هنا جاءت هجمة المصالح القديمة. فى ١١ أكتوبر ١٩٧٢ أوقف أصحاب العمل عملية النقل عبر البلاد لخنق العاصمة وخلق أزمة حادة فى الغذاء والوقود ومن ثم الضغط على حكومة ألليندى لتبنى موقفهم فى مواجهة العمال والفلاحين. أغلقت المحال التجارية الكبرى أبوابها خاصة فى العاصمة وتوقف بعض المهنيين ومنهم أطباء ومحامون عن العمل. وعمل الرأسماليون الكبار على إيقاف الماكينات فى مصانعهم. وبدا وكأن الحياة ستتوقف لكن ليس هذا ماحدث. فقد تصدى العمال والفلاحون للتوقف، الذى كان ليترك آثارا مدمرة على الاقتصاد وعلى حياتهم، بعد أن أخذوا الأمور فى أيديهم وتأسست لجان بالمصانع لتوزيع المنتجات على الأحياء وحمايتها من السرقة وذلك فى غياب المديرين. خرج العمال فى مظاهرات حاشدة تهتف ببناء سلطة الشعب. تم دحر الهجمة وازدادت ثقة الفقراء فى أنفسهم.

 

هامش ثالث ــ مصر ــ مارس ٢٠١٢: أزمة مصنوعة

 

يوم السبت الماضى قال وزير التنمية المحلية وشئون مجلسى الشعب والشورى د.محمد عطية فى تصريحات نشرتها صحيفة الأهرام إن هناك أيادى خفية وراء أزمة البنزين والسولار المتصاعدة. وأكد «أن الظاهرة ليس لها مبرر خاصة مع ضخ كميات كبيرة من البنزين والسولار أكثر من الكميات اللازمة».

 

فى اليوم نفسه، أكد الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين، فى تصريحات له نشرتها الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء، على فيس بوك، أن إنتاج وتوزيع المواد البترولية أكثر بكثير من الاستهلاك المحلى المطلوب، مطالبا الحاكم العسكرى بإصدار قرار بتجريم وتغليظ العقوبة على من يقوم بالإخلال والتلاعب فى منظومة توزيع وتداول المواد البترولية ومراقبة الأسواق. اتهم الوزير فلول وأعضاء الحزب الوطنى المنحل وأعضاء بمجلس الشعب السابق بلعب دور كبير فى تلك الأزمة لمصالح شخصية، بالإضافة إلى أن «مصر تتعرض لضغط متعمد من الأصدقاء والأشقاء قبل الأعداء».

 

هامش رابع ــ شيلى ــ ١٩٧٣: انقلابان عسكريان

 

احتدمت المعركة بين الحركة الاجتماعية والمصالح القديمة فى الشهور الستة الأولى من عام 1973، وصار الليندى يلعب دور المتفرج أكثر فأكثر. فى يونيو تكررت أحداث أكتوبر 1972 بشكل أكثر كثافة. فقد وقع انقلاب عسكرى يمينى تصدى له العمال باحتلال المصانع وتشكيل اللجان التى تدافع عنها وتوسيع نطاق السيطرة على المصانع. ومثلما فعل فى أكتوبر، واجه الليندى هذا الموقف بإعلانه حالة الطوارئ ووضع الأمور مرة أخرى فى أيدى الجيش. ومرة أخرى، كانت مهمة الجيش هى تعويق الحركة الاجتماعية.

 

فى أوائل أغسطس شكل ألليندى وزارة جديدة غلب عليها العسكريون، حيث رأى أن المهمة الأساسية هى إعادة «النظام». مهدت هذه الحكومة الأرض لانقلاب عسكرى دموى ثانٍ قاده الجنرال بينوشيه، أحد أعضاء حكومة الجنرالات التى شكلها الليندى. وأطاح الانقلاب، الذى تم بتنسيق كامل مع المخابرات الأمريكية والشركات الأمريكية الكبرى المتضررة من إصلاحات ألليندى والقلقة من تطور الأمور، بحكومة الليندى، الذى انتحر، بينما يقتحم الجيش، الذى تدربت أغلب قياداته فى الولايات المتحدة، القصر الرئاسى.

 

قتل 30 ألف شخص أغلبهم من المناضلين الاشتراكيين والنقابيين خلال الاثنى عشر شهرا التالية للانقلاب، كمـــا تعرض الآلاف للاغتصـــاب والتعذيب والموت جوعا.

 

هامش خامس ــ مصر ــ ٢٤ مارس ٢٠١٢: يورومونى إخوانى

 

فى فندق فاخر بالتجمع الخامس، يجتمع أكثر من ألف شخص بدعوة من رجل الأعمال حسن مالك، القيادى فى جماعة الاخوان المسلمين، لتأسيس الجمعية المصرية لتنمية الأعمال «ابدأ». كان من ضمن المتحدثين رجل الأعمال والعضو السابق فى الحزب الوطنى، محمد مؤمن، بينما تضمنت الشركات الراعية للحدث وللجمعية: السويدى للكابلات وجهينة ودالتكس وحديد المصريين بالإضافة إلى شركتين عالميتين هما برايس ووتر هاوس كووبرس، وهى شركة متخصصة فى الاستشارات مقرها فى لندن، لعبت دورا مهما فى عمليات الخصخصة أثناء حكم النظام السابق، وهيل انترناشيونال شركة الإنشاءات والمقاولات الأمريكية. المشهد، الذى تقوده جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الأكثرية البرلمانية بحضور أعضاء فى لجنة الخطة والموازنة يشبه لحد كبير، فى وجوه الحاضرين وطريقة التنظيم وجدول الأعمال، مؤتمرات ترويج الأعمال التى شهدتها مصر بشكل مستمر منذ عام ٢٠٠٠.

 

هامش سادس ــ شيلى ــنوفمبر ١٩٧٠: اتفاق

 

كان الشرط الأساسى الذى قدمه الجيش والرأسماليون الكبار للسماح لألليندى بالوصول للحكم هو أن يوقع اتفاق ضمانات بأن تحافظ حكومته على «مؤسسات الدولة». تضمن الاتفاق بنودا منها: ضمان استمرار النظام السياسى مع الحريات الفردية فى النشاط الاقتصادى والابقاء على النظام القانونى وأن القوات المسلحة والشرطة «ستستمران فى ضمان الديمقراطية».

 

وفى نهاية ١٩٧١، وبعد سلسلة من التأميمات التى قام بها، كتبت صحيفة بريطانية تقول: «لم يعد ألليندى قادرا على إرضاء ملاك الصناعة ولا الطبقة العاملة. وعليه أن يختار أحد الطرفين. غير أن أحدهما مسلح والثانى لا».

 

هامش سابع ــ مصر ٢٥ مارس ٢٠١٢: عمال النقل العام أمام مجلس الشعب

 

شهران ونصف مضيا على انعقاد البرلمان دون أن يخرج من النواب المنتخبين تشريع واحد يتعامل مع قضايا العدالة الاجتماعية، أو تخفيف أعباء الاضطراب الاقتصادى على الفقراء. وهاهم عمال النقل العام، الذين أعلنوا إضرابا شاملا على مدى أسبوع، يتوجهون لمجلس الشعب لتأكيــــد مطالبهم.

 

ويبلغ عدد عمال الهيئة ٤٥ ألفا بين سائقين ومحصلين وعمال هندسة وتتراوح اجورهم بينالشهرية بين ٥٠٠ و٧٠٠ جنيه عن ساعات عمل تصل لـ10 ساعات تبدأ فى الرابعة فجرا.

 

وبينما دفع المجلس العسكرى بأتوبيسات مكيفة لكسر الإضراب فى خبر احتل مانشيت الأهرام، من ناحيته أكد على فتوح، عضو مجلس إدارة النقابة العامة لعمال هيئة النقل العام المستقلة بأن القنوات الفضائية، وخصوصا الحكومية، تنشر أخبار كاذبة عن إضرابهم، وأن قناة النيل للأخبار قد أتت أثناء ،عرضها لتقرير مصور عن أزمة البنزين، بصور قديمة لأتوبيسات الهيئة تسير فى الشوارع، وكأنها صور الآن، كما أتت بصور أتوبيسات داخل الجراجات، على أنها فى المواقف، وذلك لتوحى للمشاهدين كذبا بأن الإضراب قد تم فضه، ويؤكد فتوح أن عمال الهيئة مستمرين فى إضرابهم لحين تحقيق مطالبهم.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved