الضياع العربى...الاستنجاد بالشيطان الأكبر لمواجهة داعش!

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 25 مارس 2015 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

ثوارت «العروبة» عن مسرح الصراع بين عدد من الأنظمة الحاكمة فى بعض البلاد العربية وتنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام ــ داعش»، مخلية «الجو» للطيران الغربى الحليف بالقيادة الأمريكية، وللبيت الأبيض فى واشنطن وكأنه قد بات المرجعية الدينية والسياسية لدول هذه الأرض العربية، فى مشرقها أساسا ثم فى مغربها انطلاقا من ليبيا وصولا إلى تونس، وربما إلى ما بعدها.

لكأن السيوف جميعا قد اجتمعت على «العروبة» فى ظل قرار دولى، بتحريض مكشوف من الأنظمة العربية، يرى فى الانتماء القومى لشعوب هذه الأمة تحت عنوان «وحدة المصير» خطرا أدهى وأشد من «الإسلام السياسى» بأية صورة تبدى فيها بدءا بالحركات السياسية ذات الشعار الإسلامى مثل «الإخوان المسلمين» أو «السلفيين» وصولا إلى تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام».

ولقد وفرت «الحرب» التى يشنها هذا التنظيم الإرهابى انطلاقا من العراق وصولا إلى سوريا (مع تداعيات أمنية تنذر بمخاطر جدية على لبنان)، تمددا إلى ليبيا (حيث نفذ «داعش» الإعدام ذبحا بواحد وعشرين من العمال المصريين اختار أن يكونوا من الأقباط) فإلى تونس حيث ارتكب الداعشيون مذبحة متحف باردو فى العاصمة التونسية.. وفرت هذه «الحرب» مناخا من الذعر ألجأ هذه الأنظمة إلى طلب النجدة الغربية بالقيادة الأمريكية، متجاوزة ما كان يفترض أن يجمعها فى لحظة الخطر من «رباط قومى»، مركزه جامعة الدول العربية ومجموع الهيئات والمنظمات والمعاهدات التى كانت قد التزمت بها هذه الأنظمة، ذات يوم، وأبرزها معاهدة الدفاع العربى المشترك.
حتى من قبل أن يتمدد هذا التنظيم فى «المشرق العربى» ثم فى بلاد «المغرب العربى»، كانت الدول العربية، بمجملها، تتصرف وكأنها فوّضت الإدارة الأمريكية بالقرار تاركة لواشنطن أن تحدد أدوار كل منها، سواء عبر المؤسسات المستولدة بديلا من الجامعة العربية، كمجلس التعاون الخليجى، أو بعض التفاهمات المتعجلة التى فرضها الخوف من مداهمات «داعش» كتلك التى عقدت ـ نظريا أو لاعتبارات معنوية ـ بين القاهرة وبعض دول الخليج.. هذا فضلا عن صرخات الاستنجاد التى أطلقت فى اتجاه مجلس الأمن الدولى، والتى سوف تظل معلقة فى الفضاء بسبب موقف أقطار الخليج، ومن ثم الإدارة الأمريكية من النظام السورى، فطائراتها تقتحم الأجواء السورية من دون طلب ومن دون استئذان.. ولكن من دون اعتراض جدى، ايضا.

•••

نتيجة لهذا الوضع الاستثنائى والذى يدفع إليه الذعر، من دون خطة بل ومن دون الحد الأدنى من التنسيق، تجاوزت هذه الأنظمة «مذبحة المسجدين» فى صنعاء، والتى ذهب ضحيتها مئات القتلى والجرحى، وواصلت حربها على الحوثيين متجاهلة محاولة «القاعدة» التبرؤ من هذه الجريمة الجماعية، ومتجاهلة ـ بالمقابل ـ توفر مؤشرات عديدة على أن «داعش» هو مَن ارتكبها... وفقا لمنطق «عدو عدوك حليفك..».

لكأن «الموضة»، هذه اللحظة، هى التبرؤ من «العروبة»، التى تراها الأنظمة العربية، (وهى مجرد تسمية عتيقة) والمزايدة على «داعش» ومعه «القاعدة» فى ادعاء الهوية الإسلامية بطبعتها الأمريكية الجديدة.

.. وهكذا تصير الحرب بين «إسلام» أمريكى حديث، بطيران حربى يعمل بالأجر الباهظ فى خدمة الأنظمة العربية المتهالكة، وبين «إسلام» عتيق آتٍ من عصور بائدة ولكن بأحدث وسائل التواصل وترسانة من الأسلحة تعززت بما استولى عليه فى معسكرات الموصل، وفيها دبابات حديثة ومدافع ميدان فعالة فضلا عن آلاف الآلاف من الأسلحة الفردية والقنابل والألغام... ومعها جميعا بضع مئات من ملايين الدولارات كانت تنتظره فى خزينة المحافظة.

وبدلا من استنفار «العروبة» كهوية جامعة للدول العربية المستهدفة بهجمات «داعش» الوحشية، تكأكأت دول مجلس التعاون الخليجى على بعضها بعضا، قافزة من فوق الخلاف الذى بلغ ذات يوم حافة التهديد العسكرى مع قطر، مسلمة قيادها ـ سياسيا وماليا وعسكريا، تخطيطا وتنفيذا ـ للإدارة الأمريكية... وقد وجدت هذه الإدارة فى الحرب بالواسطة مصدرا ممتازا لأرباح مجانية متعاظمة: فهى، بداية، تقدم فواتير بأرقام مهولة لطلعات طيرانها الحربى، محتسبة ساعات الطيران، وأثمان القذائف والصواريخ، والاستهلاك، والأجور الخيالية للخبراء العسكريين، سواء أكانوا على الأرض فى العراق أو بعض أقطار الخليج، أو فى غرف القيادة فى ألمانيا أو فى واشنطن..

•••

وفوق هذا كله فقد وجدت الإدارة الأمريكية فرصة ذهبية لإنقاص كميات النفط التى تستوردها من أقطار الجزيرة والخليج، ثم للهبوط بأسعارها إلى النصف بل وما إلى دونه بكثير. ولم يكن أمام المسئولين فى هذه الدول غير أن يتحمّلوا الخسارة صاغرين، وإن كابر بعضهم فأصرّ أن يحافظ على استنزاف آباره... خدمة للاقتصاد الأمريكى.

وهكذا يتبين أن «العرب» يدفعون طوفانا من دمائهم، فى هذه الحرب التى سقطت عليهم من حيث لا يعلمون، أو يعلمون ويفضلون تجاهل أسبابها النابعة من استغناء أنظمتهم عن شعوبها، وكذلك فهم يدفعون كلفة مكافحتها من ثرواتهم الوطنية.

بالمقابل فإن الدين الحنيف يدفع من رصيده المقدس كلفة باهظة وغير مسبوقة تتمثل فى التشويه الهائل الذى يناله على المستوى الدولى، وكذلك على مستوى المؤمنين به والذين يعرفون يقينا أن هذا التشويه مقصود ومدبر وأسبابه سياسية، حيث يلتقى «داعش» مع «الأجنبى» المستدعى ليحمى أنظمة «إسلامية» الواجهة وإن كانت ممارساتها وسلوكها مع رعاياها فضلا عن ارتباطها «بالأجنبى الكافر» توفر للجماعات المتطرفة مناخا ملائما لانتشارها واتساع نفوذها.

وهكذا تنتصب معادلة شوهاء وظالمة مفادها: أن العروبة صوت من الماضى وأحلام لمراهقين سياسيين عجزوا عن إنجاز «بناء الدولة»، وأن الإسلام ـ بالصيغة التى يحاول فرضها «داعش» ومن قبلها ومعها «القاعدة» ـ غزوة همجية تستهدف الحضارة الإنسانية وإنجازاتها العظيمة وفى الطليعة منها الديمقراطية بل حقوق الإنسان وأولها التقدم والانتماء إلى العصر..

فى أى حال، لم يحدث أن وقعت مصادمات دموية قاتلة بين الإسلام السياسى والعروبة كهذه التى نشهد حروبها الضارية فى مختلف الساحات العربية والتى تعتمد منهج تكفير القائلين بالعروبة هوية لهذه الأمة.

إنها تكاد تكون «حرب إبادة»، وتجرى وقائعها الدموية تحت شعار: «إما نحن وإما أنتم، ولا مجال لهدنة أو مصالحة أو تسوية... تؤمنون بدولة الإسلام، كما نراها ونعلنها، أو أنكم كفرة وخارجون على الدين ولا بد من هدايتكم ولو بالسيف».

وفى تقدير هذه المنظمات الآتية من خارج التاريخ أن الأرض العربية لا تتسع للدعويين معا، خصوصا وأن الإسلام دين ودنيا، ونظام حكم تُعاد صياغته بمنطق «أن القائلين بالعروبة مرتدون ولا بد من إعادتهم إلى حظيرة الإسلام ولو بحد السيف... فالعروبة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار..».

•••

ومع أن العروبة ـ التى تلتقى عليها سيوف الأنظمة القائمة بقوة تحالفها مع الغرب الأمريكى مع سيوف الداعشيين ـ تتضمن مبادئ الدين الحنيف وكذلك الدين المسيحى وحتى اليهودية، كدين، بوصفها من ركائز الإيمان لدى أبناء هذه الأمة، إلا أن القيادة السياسية لتنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» الذى نصّب لقيادته «خليفة»، تكفّر كل من لا يقبل دعوتها للتوبة والعودة إلى فىء الدين الحنيف، بالسيف حينا، وبقصف الدبابات والمدفعية غالبا، وبتفخيخ البيوت والمدارس والمحال التجارية حيث أمكنها الوصول، وبالسكين حيث تدعو الحاجة إلى إعلان مدوٍّ يرعب الناس البسطاء، حيثما كانوا.

إن تنظيم «داعش» لا يقبل شريكا أو منافسا، ومن باب أولى أنه لا يقبل أن ينازعه «حقه» فى قيادة هذه الأمة وهدايتها: تسلم قيادك طوعا وإلا فالسيف بيننا وبينك، حتى لو كنتَ داخل المسجد تصلى الجمعة، كما حدث للمصلين فى مساجد صنعاء قبل خمسة أيام، والذين كان بينهم «زيود» و«شوافع» بعضهم يسبل يديه وبعضهم الآخر يكتّفهما ولكن الدين واحد والإله الموجَّهة إليه الصلاة واحد.

•••

هل تفرض الحاجة عودة أهل النظام العربى إلى إعادة اكتشاف الهوية الأصلية، بل الهوية التى لا بديل منها، لهذه الأمة، ومحاولة إحياء ما تهدّم من روابط حياتهم وأسباب تقدمهم فى اتجاه الانتماء إلى العصر... كما حدث مع شعوب العالم المتقدم قبل مئتى عام أو أكثر؟! أم ستطول الغفلة وإنكار الذات والتاريخ، بحيث تتقاسم هذه المنطقة مشاريع الهيمنة التركية والإسرائيلية تحت المظلة الأمريكية؟

هذا سؤال من كثير من أسئلة القلق التى تتجمّع ـ وسط سيل الدم ـ فى هذه المنطقة التى طالما تولت أمتها صنع التاريخ الإنسانى والتى تتبدى اليوم وكأنها فى طريقها لأن تخرج من هذا التاريخ!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved