النجاة بمصر ــ ملاحظات تأسيسية (4)

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: السبت 25 أبريل 2015 - 9:05 ص بتوقيت القاهرة

  • تمثل الدولة الوطنية العادلة والقوية، شأنها شأن الديمقراطية وسيادة القانون، مقوما أساسيا ﻹخراج الوطن من متواليات الاستبداد والإرهاب والتخلف المتكالبة عليه والمحيطة بنا.

 

الدولة الوطنية العادلة والقوية هى دولة المؤسسات والأجهزة القادرة على احتكار الاستخدام المشروع للقوة الجبرية لتمكين المواطن والمجتمع من الوجود الآمن والتعايش السلمى ودون انتهاك للحقوق وللحريات، دولة المؤسسات والأجهزة الملتزمة بسيادة القانون ومضامين العدل والحياد والتوازن فى إدارتها لترابطاتها مع الناس ومبادراتهم الطوعية غير الربحية (المجتمع المدنى) والربحية (القطاع الخاص)، دولة المؤسسات والأجهزة الحامية لحقوق وحريات الناس والمحترمة لقيم الشفافية والمساءلة والمحاسبة ومكافحة الفساد وسوء استغلال المنصب العام والمبتعدة عن التورط فى التستر على مظالم أو انتهاكات أو ممارسات فاسدة.. دولة المؤسسات والأجهزة الممتنعة عن صراعات المصالح والحسابات الضيقة والرافضة إن لوضعية «نحن فوق القانون» الاستبدادية، أو للاستعلاء على المواطن بتغييب الحقائق والمعلومات والحيلولة دون مشاركته فى الشأن العام، دولة المؤسسات والأجهزة الباحثة عن الصالح العام وعن صناعة التقدم بالشراكة مع مبادرات المواطن التى يحفل بها فضاء المجتمع المدنى والقطاع الخاص، دولة المؤسسات والأجهزة التى لا تجعل من ذاتها منظومة حكم أبدية ليس لها غير أن تتسم بالاستبداد والقابلة لتداول السلطة بين أغلبيات وأقليات تبدل ممارسة المواطن لحق الاختيار الحر ونتائج الانتخابات مواقعها.

واليوم فى مصر، ولكى ننتصر لهذه الدولة الوطنية العادلة والقوية ولكى ننجو من متواليات الاستبداد والإرهاب والتخلف، يتعين علينا الاجتهاد لتكوين جبهات سلمية وعلنية تدفع فى الاتجاهات التالية:

1) احتكار الدولة الوطنية لحق الاستخدام المشروع للقوة الجبرية هو ضرورة وجود لها وضرورة حياة وتعايش للمواطن وللمجتمع. وفى أوضاعنا المصرية الراهنة التى تنشر بها عصابات الإرهاب والعنف والتطرف خرائط دمائها وتحمل السلاح وترتكب جرائمها وتخرج على القانون، وفى أوضاع جوارنا الإقليمى الذى تتصاعد حروبه الأهلية وحروب الكل ضد الكل العبثية، يقتضى ذلك التضامن مع مؤسسات وأجهزة الدولة فى مواجهتها للإرهاب وللعنف والإصرار على حتمية المزج بين الأدوات العسكرية والأمنية وبين الأدوات القانونية والتنموية والمجتمعية وعلى حتمية أن تتوقف الدولة عن التورط فى العصف بسيادة القانون وفى انتهاكات للحقوق وللحريات وفى إجراءات العقاب الجماعى وسوق المبررات الفاسدة لذلك تحت يافطة «مقتضيات الحرب على الإرهاب».

2) الدولة الوطنية العادلة والقوية هى نقيض دولة حكم الفرد، هى نقيض دولة الوضعية الاستثنائية للمكون العسكري الأمنى وهيمنته على إدارة الشأن العام واستتباع مؤسسات وأجهزة الدولة الأخرى على نحو يرتب انهيار أدوارها وتآكل فعاليتها، هى نقيض دولة استبعاد المواطن والمجتمع المدنى والقطاع الخاص من المشاركة فى إدارة الشأن العام باستقلالية وحرية، هى نقيض دولة التهديد الدائم بالعقاب والقمع والرفض الدائم لتداول السلطة بعيدا عن المكون العسكري الأمنى المهيمن وعن النخب المتحالفة معه. وﻷن الكثير من هذه الظواهر الكارثية يحيط بنا فى مصر ويزج بنا إلى متواليات الاستبداد والإرهاب والتخلف وينهى فرص استعادة مسار تحول ديمقراطى، فإن مسئوليتنا هى معارضته السلمية والعلنية دون مساومة ــ من داخل الوطن وليس من خارجه.

3) الدولة الوطنية العادلة والقوية هى أيضا نقيض دولة الامتناع عن تداول الحقائق والمعلومات، هى نقيض دولة الأسرار والاستعلاء على المواطن والمجتمع بتجاهل مقتضيات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، هى نقيض دولة فرض الرأى الواحد والصوت الواحد على الناس والصناعة المستمرة لثلاثية الخطر / الخوف / الصمت للحيلولة بين المواطن وبين طرح الأسئلة الضرورية عن تفاصيل القرارات والسياسات العامة وطلب المساءلة والمحاسبة الفعالة لشاغلى المناصب العامة. هنا، وﻷن مصر مازالت دولة «الأسرار الكبرى» ودولة المواطن الذى لا يعلم لا تفاصيل النشاط الاقتصادى لبعض المؤسسات والأجهزة ولا تفاصيل مشاركة قواته المسلحة فى الحرب على اليمن، تتمثل مسئوليتنا فى توعية الرأى العام وفى المعارضة السلمية والعلنية لاستعلاء منظومة الحكم / السلطة على المواطن والمجتمع ولتداعيات ذلك بالغة السلبية على الدولة الوطنية وعلى منعة مؤسساتها وأجهزتها المرتبطة عضويا بالعدل والشفافية وبقبول شاغلى المنصب العام للمساءلة والمحاسبة وبالإصلاح المستمر وبإشراك الناس.

4) الدولة الوطنية العادلة والقوية هى دولة الحياد إزاء تمايزات المواطنات والمواطنين الاقتصادية والاجتماعية، وهوياتهم الدينية والمناطقية، وتفضيلاتهم وآرائهم فى الحياة الخاصة والمجال العام، وتمايزاتهم المرتبطة بالنوع. وإذا كانت قطاعات شعبية واسعة قد رفضت، من بين أمور أخرى، عصف الرئاسة المنتخبة للدكتور محمد مرسى بمبدأ حياد الدولة وتورطها فى الترويج لخطاب إقصائى بامتياز لم يتردد فى توظيف تمايزات الهوية الدينية والمذهبية وخروجها على القواعد الدستورية والقانونية لتمرير استبعاد شاغلى المنصب العام المختلفين معها وللعبث ببعض مؤسسات وأجهزة الدولة، فإن تراكم المظالم والانتهاكات اليوم باتجاه المختلفين مع منظومة الحكم / السلطة الحالية وتعميم هيستيريا التصنيف والتخوين والعقاب الجماعى ورفض جر الخطوط الفاصلة بين المعارضة السلمية وبين ممارسة العنف وحمل السلاح يباعد أيضا يين الدولة وبين الالتزام بمبدأ الحياد ويعيد فى أوساط شعبية غير معدومة الأهمية إحياء الصورة النمطية السلبية عن الدولة «الظالمة» التى تميز ضدهم. هنا أيضا تتمثل مسئوليتنا فى المعارضة السلمية والعلنية، وفى الانتصار لحقوق وحريات ضحايا الظلم والتمييز والمطالبة بجبر الضرر عنهم، وفى الضغط من أجل إقرار الدولة لعدالة انتقالية تحاسب على انتهاكات وممارسات التمييز فى الماضى القريب والحاضر دون تجزئة وتضع ضمانات واضحة لعدم تكررها أو تكرر الإفلات من العقاب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved