مصر تستحق أن تكون مقصدا سياحيا ذا شأن

سامح عبدالله العلايلى
سامح عبدالله العلايلى

آخر تحديث: الثلاثاء 25 أبريل 2017 - 9:00 م بتوقيت القاهرة

نعم ولم لا.. فهى تمتلك كنزا ثمينا من المقومات السياحية والثروات الطبيعية والتراثية على درجة كبيرة من الأهمية.. إلا أنها للأسف ليست مصنفة عالميا على أنها مقصد سياحى براق يحتل بجدارة موقعا منافسا إلى جوار المقاصد السياحية العالمية الأخرى..
السبب فى ذلك أن هناك حالة من عدم وضوح الرؤية ومحدودية المهنية فى التعامل مع قطاع اقتصادى محورى يمكن أن يكون بحق قاطرة التنمية الشاملة، إن الاهتمام المحلى بذلك القطاع مازال هدفه كميا بتحقيق زيادة عددية فى الغرف والفنادق والليالى السياحية التى تباع فى السوق الخارجية للسياحة الجماعية بأبخس الأسعار، ولم يهتم أحد حتى الآن بالارتقاء بنوعية الخدمات السياحية المتكاملة التى ترتقى بجودة البيئة السياحية بشمولها، استهدافا لنوعيات أخرى من السياحة التى يمكن أن تدر العوائد المستحقة التى تتناسب مع ما تملكه مصر من مقومات.
ماذا كانت نتيجة كل ذلك؟.. إن مصر ذات المقومات السياحية منقطعة النظير، تحتل درجة متأخرة للأسف فى سلم السوق السياحية العالمية، والدليل على ذلك أنها تباع بقروش زهيدة، فهى مصنفة سوقا سياحية رخيصة تناسب المجموعات السياحية محدودة الدخل ويرى ذوو الخبرة من مصدرى السياحة فى الخارج أن مصر لا تحقق عائدا ملموسا من هذا النشاط رغم الزيادة الكمية المعلنة رسميا عن الحركة السياحية.
علما بأن عائد الاستثمار فى القطاع السياحى يتميز بقيمته الكبرى، وله مردود اقتصادى اجتماعى مباشر وسريع حيث إن تأثيره محسوس على السوق المحلية ورجل الشارع نظرا لما يصاحب النشاط السياحى من رواج تجارى وانتعاش للأنشطة الحرفية والصناعات الصغيرة والمتوسطة والنقل والخدمات... الخ. بالإضافة إلى أن استثماراته لا تحتاج إلى تقنيات نادرة أو صعبة المنال، كل المطلوب هو تكثيف كرم الضيافة بمفهومها الشامل والارتقاء بمستوى البيئة السياحية وخدماتها طبقا لمتطلبات نوعية السياحة المستهدفة، كما أن مؤثرات ذلك النشاط السلبية على البيئة الطبيعية العمرانية الاجتماعية محدودة ويمكن السيطرة عليها، على عكس الاستثمارات فى مجالات الصناعة وقطاعات اقتصاديه أخرى. لاشك فى أن كل هذه الاعتبارات وغيرها تبرر مطلب الاهتمام بقطاع السياحة حرفيا ومهنيا وليس إعلاميا، بحيث يحتل موقعا متناسبا مع أهميته فى خطط الاستثمارات القومية والإنتاج، على أن ينحصر ذلك الاهتمام بالارتقاء بنوعية السياحة التى تدر دخلا حقيقيا وليس كميتها فقط التى لا تدر عائدا محسوسا.
***
إن الطلب المتنامى على السياحة العالمية، يتجه أساسا إلى السياحة الترفيهية بأنواعها خاصة سياحة الشواطئ والرياضات المائية، حيث تقترب نسبة ذلك الطلب إلى ما يقرب من 90% من حجمها، ويتجه ما تبقى من الطلب إلى الأنواع الأخرى من السياحة الثقافية والعلاجية والعلمية... إلخ.
الملاحظ أنه فيما يخص السياحة الشاطئية فى مصر، فقد اقتصر مفهومها على استغلال القشرة الساحلية فى بناء فنادق ومنتجعات خاصة لا تقوم على أساس قاعدة عمرانية مجتمعية عميقة، تتكامل فيها المنتجعات والمراكز السياحية وتوفر الاستقرار للعمالة والكوادر والخدمات الحيوية الأساسية للتنمية السياحية.
بعض هذه البنايات السياحية اقتطعت أجزاء من البحر وشعبه المرجانية، واقترب معظمها من الساحل دون ترك حرم كافٍ للشاطئ، كما اتصلت فيما بينها على مسافات طولية شاسعة كونت حائطا بنائيا هائلا، فصل البحر عن الأرض لمئات الكيلومترات مخالفة بذلك أبسط قواعد حماية البيئة، مما أهدر فرص الأجيال المستقبلية فى الاستثمار والاستخدام المشروع للسواحل والشواطئ.
بطبيعة الحال فإنه لم يُدرج فى حسابات المتسرعين باستغلال المناطق الساحلية، بديهية استكمال واستقرار البنية السياحية المتكاملة وكوادرها، قبل الشروع فى بناء وتشغيل المنشآت السياحية، كما لم يدرج فى حساباتهم أن توطين المشروعات السياحية يجب أن يتم من خلال مراكز تفصلها نطاقات حماية كافية، بالإضافة إلى مناطق بأكملها تُخصص لاستخدام الأجيال القادمة استنادا إلى نتائج التجارب السابقة.
إن منظومة التنمية السياحية المتكاملة هى منظومة مُركبة، فهى مرتبطة بتوازنات فيما بين قطاعات البيئة والمجتمع والتراث والاقتصاد والخدمات والمرافق العامة والأمن والصحة العامة... الخ، حيث إن المستهدف قبل الشروع فى الاستثمار السياحى للشواطئ إقامة بنية سياحية متكاملة متوازنة، وليس التخلص من الأراضى لكل من هب ودب لتحقيق وفورات مالية للخزانة العامة، وإقامة منشآت سياحية منعزلة عن بعضها لا تتواصل مع المجتمع المحلى.. حالها هنا يشبه حال المعتقلات السياحية.
***
يذكر هنا أن عدد السائحين المنجذبين إلى أسواق إفريقيا والشرق الأوسط من حركة السياحة العالمية لا تتجاوز نسبتها 7%، أما النسبة الغالبة فهى موزعة على أسواق أمريكا وأوروبا والشرق الأقصى.
فى هذا الشأن تتعرض السوق السياحية المصرية إقليميا لمنافسة شرسة متنامية من الأسواق المجاورة فى اليونان وتركيا وإسرائيل ولبنان وتونس والمغرب، كما يُنتظر أن تشارك السوق الليبية بالساحل الشمالى فى هذه المنافسة مستقبلا بعد استقرار أوضاعها نظرا لمقوماتها السياحية الشاطئية المتميزة، بالإضافة على كونها امتدادا طبيعيا للسوق التونسية البراقة.
إن ارتقاء القطاع السياحى وتحوله من نشاط خدمى إلى نشاط داعم للاقتصاد القومى، تغذيه بقية قطاعات الاستثمار والإنتاج والخدمات هو هدف ليس بعيد المنال، نظرا للقيمة العظمى للعائد المنتظر من الاستثمار النوعى العريض والعميق لمقومات مصر السياحية.
إن الأمر يتطلب فى البداية وقبل السعى نحو زيادة عدد الغرف الفندقية أو الفنادق الفخمة الارتقاء بمستوى التعاملات الإنسانية للمجتمع المحلى مع السياحة الوافدة طبقا لثقافتها ومتطلباتها، مع توفير أمان حقيقى للسائحين يمنع الإساءة إليهم بالشحاذة والتحرش والسرقة والاحتيال والنصب إضافة إلى توفير بيئة تختفى فيها القمامة عن أعين الجميع.. مع تنفيذ برامج واسعة لبناء القدرات النوعية للمتصلين بالقطاع أو العاملين به... كما أنه علينا إجراء تقييم موضوعى دورى لقياس مدى تحقيق الأهداف بالمقارنة بالأسواق المنافسة... إن ذلك ليس سوى بعض ما يجب عمله.. إنه واجب ثقيل وصعب ويحتاج إلى التفكير والتنفيذ بعقلية نوعية السياحة المستهدفة التى يمكن أن تدر عوائد مؤثرة.
***
فى النهاية فإن السياحة هى وسيلة تقارب بين الشعوب والثقافات، مؤثرة فى انفتاح المجتمعات بعضها على بعض وتقليص هوة خلافاتها، كما أنها عامل مُنشط فى انتقال المعارف والمفاهيم والخبرات ونظم الحياة بين البشر، إضافة إلى موقعها الفريد فى سوق الأعمال التى تساعد على استقطاب وتوظيف الأموال فى استثمارات ذات مردود ملموس على المستثمر ورجل الشارع والمواطن البسيط، كما تعمل السياحة على تكثيف الاهتمام بالحفاظ على البيئة الطبيعية الاجتماعية من عادات محلية وتقاليد ولغات ولهجات وفنون شعبية وموسيقى وحرف تقليدية وثراء الطعام المحلى التقليدى بالإضافة إلى التراث العمرانى والمعمارى.
إن السياحة ذلك النشاط الترفيهى الاجتماعى الاقتصادى كثير العطاء المحبب والمنعش للمجتمع المحلى ورجل الشارع والسائح والمستثمر والفنى والعامل والمولد لأنشطة أخرى عديدة. وفى اختصار شديد يمكن أن نزعم أن السياحة تحقق مناخا من الألفة والسلام فى العلاقة بين الشعوب، يفشل السياسيون المحترفون فى تحقيقه

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved