مصر وأمريكا.. من يدعم من؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأربعاء 25 مايو 2011 - 8:07 ص بتوقيت القاهرة

قد تكون المساعدات الأمريكية خلال الثلاثين عاما الماضية قد رفعت متوسط أعمار المصريين 15 عاما، لكنها قد تكون أيضا ساهمت فى إعادة كل مصر إلى الوراء عشرات السنين، وأصابتنا بالقهر والإحباط لدعمها المطلق لنظام مبارك ولإسرائيل وعربدتها فى المنطقة.

قبل أيام قليلة أطلقت السفارة الأمريكية بالقاهرة تقريرا يتحدث عن المساعدات الأمريكية لمصر خلال 30 سنة يقول إنها خفضت معدل وفيات الأمهات بنسبة 50٪ ووفيات الأطفال بنسة 70٪، وقضت على شلل الأطفال، وبنت 2000 مدرسة.

أرقام السفارة تحدثت عما أعطته لنا أمريكا، لكنها بالطبع لم تتحدث عن لماذا أعطتنا هذه المساعدات وكيف تصلنا وإلى أين تتجه ومن الذى يستفيد منها؟!

لا أعرف بالضبط مدى دقة الأرقام الواردة فى تقرير السفارة، وكيف استطاعت أن تعرف مثلا أن مساعداتها هى فقط التى أدت لخفض وفيات الأطفال أو الأمهات، أليس واردا أن ذلك حدث بسبب المساعدات الأوروبية، أو دور وزارة الصحة أيضا؟!

أمريكا أو غيرها لا تساعدنا لوجه الله، أو لأن «عيوننا زرقاء وشعرنا أصفر أو أكرت»، لكنها بدأت تساعدنا بعد أن قال السادات إن أوراق اللعبة صارت فى يد أمريكا ثم وقع على اتفاقيات الصلح مع إسرائيل نهاية السبعينيات، وسوف تستمر فى تقديم هذه المساعدات طالما استمرت علاقتنا مع إسرائيل طيبة أو حتى باردة وطالما لم نقف فى وجه أى مصالح أو مطامع أمريكية.

البعض يقول ساخرا إن الذى يستفيد من المساعدات الأمريكية لمصر، هى واشنطن وليس القاهرة، فهذه المساعدات يضيع جزء كبير منها على رواتب وأجور ومكافآت الخبراء الأمريكيين، وبعضها يأتى كمساعدات عينية عبارة عن سلع ومنتجات أمريكية وليس نقودا سائلة يمكن توجيهها لمجالات محددة.

والأهم من ذلك أن جزءا منها صار يذهب إلى بعض القطاع الخاص، الأمر الذى «قد» يجعل من بعض أولئك الذين يتلقون هذه المساعدات مروجين بحكم المصالح لكل ما هو أمريكى.

أعرف أن السياسة مصالح وليست عواطف ولذلك فكل ما نأمل فيه أن نستفيد فعلا من هذه المساعدات، فلا يعقل أن نكون ترسا فى آلة المصالح الأمريكية الكبرى فى المنطقة منذ عام 1975 ولا نستفيد شيئا حقيقيا.

لا أدعو إلى مواجهة مع أمريكا، أو حتى إسرائيل «الآن» لكن أليس من حقنا حتى بمنطق التجارة عندما نقدم خدمات استراتيجية مهمة لدولة أن نحصل على مقابل حقيقى لها.

يخشى المرء أن يكون «الثمن» قد ذهب إلى جيوب قلة من المصريين فى حين أن الشعب والوطن بأكمله قد دفع ثمنا غاليا نتيجة للقرار الاستراتيجى الذى اتخذه مبارك بالارتماء فى الأحضان الأمريكية.

قد تكون أمريكا دفعت لنا المليارات، لكنها فى المقابل دعمت بلا حدود نظام حكم فاسد وغير ديمقراطى مما أخرنا عشرات السنين.

ما كان لنظام مبارك أن يستمر أو يتعملق ويتفرعن من دون الدعم الأمريكى الإسرائيلى الخليجى.

هذا الدعم هو الذى أعطى لمبارك الأكسجين المستمر للتنفس، وجعله يقمع ــ وهو مطمئن ــ أى محاولة جادة للإصلاح.

ثورتنا لن تكتمل من دون أن تطول تغيير أسس العلاقات مع كل العالم، خصوصا أمريكا.

لا نريد من حكومتنا أن تكون ثورجية أو تعادى أمريكا، أو حتى تحارب إسرائيل الآن، لكن فقط نريدها أن تحصل على ثمن عادل لموافقها.. وهذا أضعف الإيمان.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved