المشجعون يعزفون الكمان..!

حسن المستكاوي
حسن المستكاوي

آخر تحديث: الإثنين 25 مايو 2015 - 8:35 ص بتوقيت القاهرة

•• إنه شعور جميل أن تكون طفلا مهما بلغ بك العمر.. إنها نعمة أن يكبر عقلك ويصغر قلبك. وأمر مؤسف أن يصغر عقلك ويكبر قلبك.. ومن يملك قلبا رياضيا حقيقيا، كمن يملك قلب طفل. قد تبكيه مشاهد الانتصار والانكسار. قد تبكيه مشاهد النضال والكفاح بشرف. وسوف تهزه لحظات مثل افتتاح الألعاب الأوليمبية كما عشتها فى أثينا، وبطولات كأس العالم كما لمستها مرات ومرات.. والرياضى الذى يقدر قيمة هذا النشاط الجميل، تهزه لحظة انتصار بشرية فى صراع الإنسان مع الزمن والمسافة والثقل.. تهزه الإنجازات والأرقام القياسية.. ومع كل دورة أوليمبية نكتب نفس الكلام ونقول نفس الكلام عن التحضر واحتفال الإنسانية فى أكبر حركة سلام عرفتها البشرية.. لكن هل تعلمنا شيئا من التكرار؟!

•• شاهدنا احتفال برشلونة ببطولة الدورى، واحتفال ديبورتيفو بالنجاة، والاحتفاء برحيل تشافى إلى السد القطرى.. غناء وأهازيج وفرحة شديدة الرقى فلا سباب لريال مدريد المنافس العتيد، ولاسخرية من المنافسين. ولا إهانات لتشافى لأنه ترك الفريق.. إنها حفلة انتصار وحفلة وداع بكل ماتحمله الحفلة من فرحة وبهجة وألم وحزن، لكن تبقى تلك اللحظات فى ذاكرة الإنسان. تبقى لحظة أبدية، تبقى صورة أو مشهدا من سيناريو الحياة داخل العقل. خاصة حين يكون الارتباط بالبشر كما الارتباط بالأماكن.

•• «فى أوروبا والدول المتقدمة » ( نرددها منذ نصف قرن ) يحتفلون بالفن والموسيقى والثقافة والأدب. شاهدت يوما عرضا فى شارع ألمانى لمجموعة من العازفين، يعزفون السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، وقد التف حولهم الناس ينصتون، وقد أسعدهم هذا العزف.. وأخيرا شاهد الملايين أسلوب تشجيع أنصار فريق بروسيا دورتموند لفريقهم. وكيف أن بعض المشجعين كانوا من عازفى الكمان.. تخيلوا داخل مدرجات استاد محشود بالناس والهتافات والبهجة والغليان يقف ناس يعزفون على الكمان وحولهم الأنصار يشدون بنشيد الفريق.. أين هى أناشيدنا؟

•• لم نعد نطلب من جماهير كرة القدم الذهاب إلى الاستاد بالآلات الموسيقية ولانقدر ولانحلم بمطالبتهم بعزف ألحان على الكمان.. هذا يمكن أن تراه فى الأوبرا.. هذا قد يكون عرضا فى المسرح القومى.. لكنه المستحيل بعينه فى ملاعبنا.. أحاديثنا كلها طوال سنوات تدور حول الرجاء بالكف عن السباب، وعن إطلاق الشماريخ، وإحراق السيارات، والتربص بالمباريات، والترصد للأتوبيسات، وقطع الطرق وقطع الأرزاق.. كانت البدايات جميلة عامرة بالأغانى والأهازيج.. وبلوحات مزدهرة الألوان، تصنع وتبتكر بجهد وعمل شاق.. هكذا كانت البداية مع ظاهرة الأولتراس.. فالتشجيع جديد، والغناء طوال المباراة جديد. أيامها تخلصت المدرجات من صوت الصمت. واليوم أصبح الصمت موتا فى المدرجات.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved