قبل أن تبدأ المعركة

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الثلاثاء 25 يونيو 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كما تحتشد الجيوش ليلة المعركة فى مواجهة بعضها، وينام الجنود وهم يحلمون بنصر كاسح وبغنائم وفيرة، كذلك نقترب من ٣٠ يونيو والأطراف كلها فى حالة استنفار لخوض ما تعتقد أنها الجولة الحاسمة والتى ستؤدى الى نصر مبين وفرصة للتخلص من الخصم الى الأبد. ملايين المعارضين للرئيس محمد مرسى الذين التفوا حول حملة «تمرد» لن يقبلوا بأقل من عزل الرئيس والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. اما أنصاره فيعتبرون أن مجرد تجاوز يوم ٣٠ يونيو والرئيس لا يزال فى منصبه وفى قصره سيكون انتصارا حاسما لهم وتأكيدا على شعبية وشرعية النظام الحاكم. وبذلك تم اختزال المعركة المقبلة فى بقاء الرئيس أو رحيله، بينما الحقيقة أن نتائج حركة «تمرد» حتى الان اهم من ذلك بكثير ايا كان ما سوف تسفر عنه احداث الايام القليلة القادمة. 

 

النتيجة الاولى أن «تمرد» قد نجحت بالفعل فى تحقيق هدفها الأهم وهو تحريك المياه الراكدة واعادة حشد الجماهير والكشف عن حجم الرفض الشعبى للحكم الأخوانى وعن أن الرهان على أن الناس قد فقدت الرغبة فى الاحتجاج فى ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة كان رهانا خاسرا. ملايين الاستمارات التى جرى توقيعها فى الاسابيع الماضية، مهما تم التشكيك فى عددها النهائى، اصبحت امرا واقعا على الساحة ولا يمكن تجاهله أو الادعاء بأنه لا يمثل ثقلا فى المجتمع، أو أن من حقه أن يطالب بتصحيح المسار السياسى الذى أصابه الخلل. 

 

اما النتيجة الثانية، والتى ربما لم تكن مقصودة من الاصل، فهى نجاح «تمرد» فى أن تكشف عن انحسار ثقة الناس بالاحزاب الرسمية وبالسياسيين المحترفين سواء من كان منهم فى الحكم ام فى المعارضة، وعن عزوفهم عن الاهتمام بالعمل السياسى الذى أصابه الشلل لشهور طويلة، حتى  ظهور «تمرد» ودعوتها لسحب الثقة من الرئيس بينما الاحزاب مشغولة بالصراعات بداخلها وفيما بينها. وهكذا فبينما ظهرت القيادات السياسية طوال الاشهر الماضية مكترثة بكاميرات التليفزيون اكثر من اهتمامها بمشاكل الجماهير و بالعمل على الارض، اذا بحركة «تمرد» تقدم صورة معاكسة تماماً: قيادات شابة ونشيطة ومتحركة، وعزوف عن الظهور الإعلامى، وقدرة على التواصل مع الناس فى كل أنحاء مصر وعلى كسب ثقتهم.

 

وأخيرا فإن النتيجة الثالثة والاهم تتعلق بالرئيس مرسى وبنظامه الحاكم. وهنا اجدنى مختلفا مع التصور السائد بأن الغنيمة الكبرى من المعركة القادمة هى تنحى الرئيس بالنسبة لمعارضيه أو استمراره فى الحكم بالنسبة لأنصاره ومؤيديه. فحتى لو تجاوز الرئيس هذه المحنة وظل شاغلا لمنصبه، فإن «تمرد» ستكون قد نجحت  فى وضع نهاية فعلية لشرعيته ولقدرته على إدارة البلاد وممارسة سلطات الحكم بشكل طبيعى. شرعية الحكم فى اطار ديمقراطى لا تأتى بمجرد الفوز بالانتخابات ولا بموجب نصوص الدستور وحدها، بل مصدرها وقبل أى شئ اخر هو اقتناع الناس بأن الحاكم يمثلهم جميعا بمن فيهم خصومه السياسيون، وانه يعمل للصالح العام، وانه حريص على كيان الدولة ومؤسساتها، وانه ليس منحازا لفريق من شعبه ضد فريق اخر. هذا هو المعيار الذى يتوقعه الناس فى مصر الان ولا يقبلوا فيه المقارنة بعهود سابقة. ولذلك فإن الرئيس الذى يتصرف فى لحظة الانقسام والاستقطاب على انه ينتمى الى احد الطرفين المتنازعين فى مواجهة باقى الشعب لن يمكنه أن يستمر فى إدارة الدولة ولو بقى جالسا على عرشه. شرعية الرئيس مرسى، ولو استمر فى قصر الاتحادية باقى مدته، أصيبت فى مقتل لحظة أن انحاز الى طرف ضد باقى شعبه كما لو كانوا من الأعداء، وهم بالملايين. 

 

حركة «تمرد» والاحتجاج الواسع المصاحب لها افرزا متغيرات جديدة وايجابية على الساحة. ومع ذلك فيظل أمامهما ثلاثة تحديات كبرى: 

 

التحدى الاكبر هو الخروج من هذا الصراع بتصور جديد لقيادة وتنظيم للمعارضة المصرية بما يتجاوز أخطاء وصراعات الماضى لأن الجماهير أثبتت ضجرها من كل ذلك واستعدادها للعمل بشكل موحد ومنظم ورفضها لأساليب العمل التقليدية. وفى تقديرى أن التغير الذى يفرض نفسه على أحزاب المعارضة يمكن أن يكون احد المكاسب الكبرى للحراك الواسع الذى أثارته «تمرد» اذا دفع الى اعادة تشكيل خريطة جديدة للأحزاب و للقوى السياسية بما يتجاوز القصور فى القيادات والممارسات والتحالفات الهشة التى طغت على الساحة خلال العامين الماضيين. 

 

التحدى التالى هو طرح رؤية واضحة لإشكالية شرعية الحكم فى مصر. شرعية الرئيس لم تعد قائمة على نحو ما ذكرت، ولكن الشرعية البديلة غير واضحة. الرئيس جاء بشرعية الصناديق والانتخابات وكانت لفترة محل قبول فى المجتمع ثم أخذت تتآكل وتفقد مصداقيتها كلما انقض النظام الحاكم على البنيان القانونى والدستورى للدولة وكلما قدم مصلحته فى السيطرة على الحكم على حساب المسار الديمقراطى. ولكن يظل السؤال قائما عن طبيعة الشرعية الجديدة المطروحة لأن سقوط الشرعية الحالية ليس نهاية المطاف بل يجب أن يكون له بديل يقبله المجتمع وقابل للتنفيذ عملا ويدفع بالديمقراطية الى الامام لا أن يكون نكوصا وكفرا بها.  

 

اما التحدى الاخير فهو الحفاظ على سلمية الاحتجاج فى الايام والأسابيع المقبلة. فلا شئ يبرر اللجوء الى العنف ولا قبوله ولا السكوت عليه من أى طرف خلال الايام المقبلة. واللحظة الفارقة التى نواجهها اليوم تستدعى أن يحسم كل واحد أمره ليس فقط من حيث تأييد أو معارضة الرئيس والحكم الأخوانى وانما أيضاً من حيث قبول أو رفض العنف وسيلة لتغيير النظام. التغيير لو جاء فسوف يكون بناء على رغبة الشعب ورفضه لاستمرار النظام الحالى، وهذه الرغبة لو تبلورت على الارض فإنها كافية بحد ذاتها لتحقيق التغيير سلما ودون اطلاق رصاصة واحدة. أما لو جاء التغيير على بحر من الدماء وعلى جثث المزيد من الشهداء والضحايا فلن يؤدى الا الى مزيد من العنف ومن تبرير استخدامه مستقبلا ومن انتصار منطق الاستبداد لا منطق الحرية. 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved