إلى فيلق المزايدة

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 25 يوليه 2014 - 8:40 ص بتوقيت القاهرة

لا يلومك أحد إذا لزمت الصمت فى وقت يجب فيه الكلام، لا يلومك أحد إذا كان موقفك مشينا تجاه حقوق الإنسان وقضايا الديموقراطية، لا يلومك أحد إذا روجت لأساطير وخرافات محببة للسلطة، لا يلومك أحد إذا تحولت إلى مبرر لكل انتهاك ومدافع عن كل انتقاص من الديموقراطية، لا يلومك أحد إذا قررت يوما أن تبيع للناس وهما عن مسارات إصلاحية غير موجودة إلا فى خيالك، لا يلومك أحد إذا تحولت يوما لتكون جناحا من سلطة تغتال حقوق الإنسان وتصادر حق التعبير عن الرأى وتجرمه، لا يلومك أحد وأنت تشارك فى عمليات الماكياج السياسى لتجمل قبحا عشت قبل ذلك تقاومه وترفضه، لا يلومك أحد إذا تحولت للتنظير للاستبداد ومخالفة كل ما كنت تُنظر له قبل ذلك.

افعل كل ما مضى إن لم تكن فعلته أصلا، هذا موقفك الذى يخصك والذى يعبر عنك ومهما اختلفنا معه فلا نحجر على إرادتك ولا نتدخل فى اختياراتك، ولكن إذا فعلت كل ما مضى بمحض إرادتك ثم قررت أن تمارس (التلقيح السياسى) على الذين اختلفت مواقفهم عنك والذين ثبتوا فى لحظة الهستيريا والتلون، ولاذوا بمبادئهم ــ التى كانت يوما مبادئك ــ ليحتموا من التشوش والخلط والانبطاح فإذا بك توجه نيران مدفعيتك نحوهم فهذا لا يمكن قبوله، لقد كفوا ألسنتهم وأقلامهم عن مواقفك الصادمة واحترموا حق الاختلاف فإذا بك لا تحترم ذلك بل توجه سهامك نحوهم تشكك فى نواياهم وتزايد على مواقفهم وبدلا من أن يصيبك الخجل من مواقفك وأفعالك وتقلباتك إذا بك تخلع برقع الحياء وتعطى لنفسك الحق فى توزيع صكوك الوطنية وتمارس نوعا غريبا من الاستعلاء الفكرى والسياسى ينزع الفهم عمن سواك وتخوّن فيه من لا يروق لك، لا ندرى هل هذه عقد الإسقاط أو الاستبدال التى تورطت فيها لتخلص ضميرك مما قد يطارده من التأنيب والإحساس بأنك فقدت بوصلتك وضللت وجهتك ونسفت تاريخك بعد أن انتقلت من موقع المعارض إلى موقع المؤيد ومن موقع المثقف الثابت على المبادىء إلى موقع السائرين مع الموجة العالية والذين خفضوا رءوسهم انسحاقا وخوفا من مواجهة الواقع البائس والتصدى له.

•••

نحن يا سيدى لا نزايد عليك ولا نجبرك على اتباع خطانا ولا نطالبك بتحمل الثمن إذا خرجت من وادى التيه إلى واحة الاتساق مع الذات، فليس كل الناس تستطيع تحمل عاقبة مواقفها وأرائها فى زمن ترهيب أصحاب الرأى واغتيالهم معنويا، لكننا لا يمكن أن نصمت على نيرانك التى تطلقها من نفس المنصة التى يقف عليها أعداء الديموقراطية ومروجى الاستبداد ليقصفونا، تماهيت أنت معهم فصرت لهم محببا وأليفا ولكن لماذا تريد أن تقوم بدورهم؟ لماذا تضع نفسك فى هذا المربع الذى لا يليق بك، نحن لا نعاتبك لكننا نشفق عليك مما وصل إليه حالك، صدقنى لن يعطوك (بلح الشام ولا عنب اليمن) وستعود خالى الوفاض منكسر الأمل لأنهم مهما قربوك لن يأمنوك لأنك كنت يوما ضدهم!

•••

هذا الكلمات ليست لشخص بعينه بل هى لكل مثقف ومفكر صف قدميه فى طابور عطايا السلطان لينال الرضا والمنن، فى ظل مذبحة الضمير المستمرة وانتحار المبادئ يتساقط هؤلاء كأوراق الشجر اليابس الذى يسقط على الأرض متكسرا تسحقه الأقدام بعد أن فقد هيبته ورونقه وبهاءه، لا يأخذ هؤلاء العبرة ممن سبقوهم فى هذا المضمار وقدموا فروض الولاء والطاعة وقالوا كل ما يريده أصحاب الصولجان، فلما استخدموهم وانتهوا من احتياجهم إليهم نبذوهم وأقصوهم ودفنوهم فى مسالك التجهيل والحرمان فلا هم نالوا رضا سادتهم ولا احترام من اتبعهم يوما من الأيام.

يا أيها المثقفون والمفكرون والمُنظّرون المعنيون، يا من ركبتم ما تظنونه قارب النجاة وهو دوامة الغرق، يا من اعتقدتم أنكم تعلون وترتفعون بينما أنتم تنخفضون وتسقطون، كفوا أيديكم وألسنتكم وأقلامكم عنا فلن نسقط فى وحل المحاججة ولن نضيع الوقت لنقنعكم بجرم أفعالكم فأنتم تعلمون ما تفعلون، وتدرون ماذا تزرعون، ولن تجدوا غدا غير الأسى لتحصدون، فأف لكم ولما تدّعون.

أما أنتم أيها القابضون على الجمر، فتمسكوا بدربكم واعتزوا بمواقفكم وانتظروا حكم التاريخ الذى سيشهد لكم أنكم ما حدتم عما آمنتم به وانتصرتم له وضحيتم من أجله، الزمان يدور والمواقع تتبدل ودوام الحال من المحال وغدا ينتصر الثبات على التلون والجمال على القبح، وإن غدا لناظره قريب.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved