هذه الأزمة المكتومة

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي

آخر تحديث: السبت 25 يوليه 2015 - 9:25 ص بتوقيت القاهرة

نفى الأزمة من وقت لآخر ومرة بعد أخرى هو بذاته تعبير عن وجودها.

يصعب أن يصدق أحد أن الأمور طبيعية ووجهات النظر «متطابقة» بين مصر والسعودية فى الملفات الإقليمية الضاغطة على ما أكد وزيرا الخارجية «سامح شكرى» و«عادل الجبير» فى جدة.

الكلام بنصه ردده الوزيران فى القاهرة عند قدوم «الجبير» إليها لأول مرة بعد توليه ملف الخارجية فى بلاده دون أن يخفض ذلك من أية تكهنات حول طبيعة الأزمة وأية تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين البلدين أمام التطورات الدراماتيكية فى الإقليم.

فى الأوضاع الطبيعية لا تلجأ أية «أطراف متحالفة» إلى استبعاد أن تكون بينها أزمة كلما وضع ميكروفون فوق منصة مؤتمر صحفى مشترك.

ما هو غير طبيعى يومئ إلى أزمة مكتومة تتفاعل دون مواجهة جدية ومصارحة لازمة.

كلام «الجبير» عن أن «مصر جزء لا يتجزأ من تحالف إعادة الشرعية إلى اليمن» هو من طبيعة الأزمة.

فأى تحالف عسكرى وسياسى يفترض فى أطرافه درجة عالية من التفاهمات والترتيبات المشتركة.

بكلام صريح الدور المصرى يكاد يكون هامشيا فى إدارة الأزمة اليمنية.

القاهرة اخطرت بـ«عاصفة الحزم» قبل (٤٨) ساعة من بدء العمليات ومشاركتها العسكرية بدت رمزية للغاية حتى يقال إن أكبر دولة عربية من ضمن التحالف الذى تقوده السعودية.

فى الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة اليمنية سلميا جرى استبعادها تقريبا.

لم يكن هناك تنسيق سياسى بأية درجة معتبرة وبدا أن الدور المصرى غير مرحب به سعوديا.
عند تصاعد الأزمة طرقت أطرافا يمنية عديدة أبواب القاهرة طلبا لدور تقوم به فى أية تسوية سياسية مقبلة.

من بين الذين حضروا إلى القاهرة ممثلون لجماعة «الحوثى»، وهذا أمر طبيعى فأى تفاوض لا يجرى إلا بين فرقاء.

فى التوقيت نفسه جرت اقترابات إيرانية مماثلة من العاصمة المصرية لاستطلاع الرأى.

فى الحالتين لم تكن للخارجية المصرية أدنى صلة بهذه الاقترابات التى جرت على مستوى أمنى.
لوهلة تصورت مصر أنها مرشحة للعب دور سياسى بالنظر إلى ما تتمتع به لدى الأطراف اليمنية المتصارعة من مقبولية لا تتوافر لغيرها.

غير أن ذلك أثار حساسيات أوقفت كل حركة وجمدت كل دور.

بالمقابل تبدت حساسيات مصرية من أن يتحول «التحالف» إلى «إملاء» بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها.

فى توقيت متزامن بلغت الحساسيات المتبادلة ذروتها بالترحيب المصرى باتفاقية «فيينا» التى وقعتها الدول الست الكبرى مع إيران بخصوص برنامجها النووى وزيارة وفد من حركة «حماس» برئاسة «خالد مشعل» للرياض.

الترحيب المصرى ناقض الانزعاج السعودى من احتمالات تصاعد النفوذ الإيرانى فى الإقليم بعد أن ترفع عنه العقوبات الاقتصادية والمالية وأجواء زيارة «مشعل» أثارت تساؤلات قلقة فى القاهرة عن أهدافها وأبعادها.

كان السؤال السعودى: إلى أين تذهب القاهرة فى علاقاتها الإيرانية؟

بدت الإجابة المصرية على شىء من الارتباك بتبنى لغة الانزعاج دون رؤية للمستقبل.

بالمقابل كان السؤال المصرى: ما الذى تطلبه الرياض بالضبط؟

بدت الإجابة السعودية عن القدر نفسه من الارتباك بنفى أية صفة رسمية عن الزيارة المثيرة فى توقيتها والملغزة فى أسئلتها.

إذا لم يكن لقاء رئيس المكتب السياسى لـ«حماس» مع الملك «سلمان بن عبدالعزيز» له صفة الرسمية، فعلى أى أساس جرت ترتيباته؟

صحيح أن الزيارة حملت بأكثر مما تحتمل عن وساطة سعودية بين السلطة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين غير أن نفى طابعها السياسى لا يقف على قدمين.

الأكثر ترجيحا أن السعودية حاولت أن تكتسب مجددا بعض ما خسرته من أوراق فى الساحة الفلسطينية وأن توازن الدور الإيرانى الذى أمد فى أوقات سابقة «حماس» بتمويلات مالية وعسكرية.

من ناحيتها حاولت «حماس» أن تذيب الجليد المتراكم مع الرياض دون أن يعنى ذلك توجهها لـ«الانخراط فى محور دون آخر» بنص تأكيدات «مشعل».

أخشى أن يكون الضيق بـ«حماس» أكبر من إدراك حجم الخطر المقبل من الشرق حيث الإرهاب يضرب فى سيناء.

فلا يمكن استبعاد أن تتمدد الجماعات الجهادية السلفية فى غزة بعد عمليات إرهابية استهدفت سيارات لحركتى «حماس» و«الجهاد» وما تبعها من تصعيدات متبادلة.

البيئة المحتقنة فى القطاع المحاصر مرشحة تماما لاحتضان الإرهاب وتنظيماته.

هذا سيناريو حرب طويلة ومنهكة فى غزة تمتد أخطارها إلى سيناء.

ما هو ضرورى فتح القنوات على الإقليم كله وأن تكون هناك حرية فى الحركة لا تحول دونها حساسيات تفتقد إلى أى منطق مقنع.

الحساسيات المتبادلة تعبير صريح عن غياب أى حوار استراتيجى له قيمته.

بمعنى آخر ليست هناك محاولات جدية لبناء تصورات مشتركة تمتد من العلاقات مع إيران وتركيا إلى الأزمات المشتعلة فى الإقليم من اليمن عند الخاصرة الجنوبية للسعودية إلى المشرق العربى حيث تشتعل النيران فى سوريا والعراق بينما لبنان يترقب مصيره إلى المغرب العربى حيث تقف ليبيا عند منحدر يهدد وجودها والنيران تلوح فى تونس والجزائر.

بإجمال ما يصعب الحديث عن أى تفاهمات مصرية سعودية متماسكة فى أى ملف والكلام كله بلا أفق سياسى.

هناك فارق جوهرى بين التفاهمات الاستراتيجية فى إدارة أزمات المنطقة والكلام المرسل عن تطابق وجهات النظر.

بلا تطرق مباشر إلى مناطق الاتفاق والاختلاف فكرة التحالف نفسها سوف تتقوض سريعا.

بحسب الوزير المصرى «لا توجد مواقف جامدة تمنع التفاهمات فى ملفات الإقليم».. غير أنه من الصعب الرهان على مثل هذا التطور فى أى مدى منظور.

الثغرات أوسع من أن يجرى تجاهلها والأزمات المكتومة مرشحة للانفجار ما لم يتم الاعتراف بها والعمل على نزع فتائلها.

إيران هى العقدة الكبرى أمام أى تفاهمات.. وسوريا ميدان المواجهات الرئيسى.

على رقعة الإقليم هناك سباق على النفوذ بين اللاعبين الإيرانى والسعودى.

كلاهما مؤثر لكنه ليس قوة عظمى.

وكلاهما يحتاج لتوطيد نفوذه الإقليمى إلى الانفتاح على مصر أكبر وأهم الدول العربية رغم ظروفها الصعبة.

لمصر مصلحة مؤكدة فى التحالف مع السعودية لكن ليست لها مصلحة واحدة فى الانجراف إلى حرب مفتوحة مع إيران.

السعودية تنفى توجهها لدخول مثل هذه الحرب لكنها تمانع فى أى حديث تجريه القاهرة مع طهران.

لا يخفى على أحد أن الدبلوماسية المصرية مكبلة وحركتها فى الإقليم شبه متوقفة.

إذا لم نتحدث بصراحة فما هو مكتوم من أزمات سوف يخرج للعلن مهما نفى الدبلوماسيون.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved