المشاركة العربية فى رعاية التفاوض على التفاوض

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 25 أغسطس 2010 - 10:39 ص بتوقيت القاهرة

 يعيش البيت الأبيض فى العاصمة الأمريكية واشنطن حالة من الغبطة فى ظل موجة من «الأعياد» والاحتفالات ذات الأبهة الملكية المؤكدة لنفوذه ونجاحاته غير المحدودة فى دنيا العرب، والتى تجىء تتويجا للإنجازات العسكرية وانتصاراته الباهرة.

سنستبق، هنا، المواعيد الرسمية المقررة للاحتفالات بالعيد الأخطر بدلالاته التاريخية، لنتحدث عن الحفل المهيب الذى سيشهد، أخيرا، الولادة الجديدة للمفاوضات الجديدة على المفاوضات بين حكومة إسرائيل، دولة يهود العالم، وبين «السلطة» التى تكاد تكون فى موقع بلدية تحت الاحتلال فى بعض البعض من الضفة الغربية لنهر الأردن.

ما علينا من التحديدات الجغرافية.. إن استعادتها فى هذه اللحظة قد يعكر الاحتفال المهيب بالإنجاز التاريخى للرئيس الأمريكى الأسمر ذى الجذور الإسلامية باراك أوباما، الذى دعا فلبى النداء رئيس جمهورية مصر العربية وملك المملكة الأردنية الهاشمية، ليكونا «الشاهدين» على جولة جدية من التفاوض على التفاوض من اجل إقرار إسرائيل بحق الفلسطينيين الخاضعين لسلطات احتلالها فى بعض البعض من أرضهم الوطنية.

إن وجود الشاهدين العربيين الساميين، اللذين سبق لهما توقيع معاهدات الصلح مع إسرائيل وإسقاط وصمة «العدو» عنها، والاعتراف بشرعية وجودها، مع تناسى هيمنتها واشتراطها معاونتها فى ضرب «التطرف الفلسطينى» أو السكوت عن ضربه، كما جرى خلال الحرب على غزة قبل عشرين شهرا، سيسهل على إدارة الرئيس الأسمر، كما على رئيس وزراء إسرائيل المندفع فى تطرفه إلى حيث لا يستطيع مجاراته أى زعيم اسرائيلى طامع بخلافته، «اقناع» رئيس السلطة التى لا سلطة لها على « القبول بالمقسوم» وترك «القضية» للزمن.. عملا بحكمة القائد ــ المؤسس لدولة إسرائيل ديفيد بن جوريون من أن «بعض القضايا لا حل لها بل تترك تشيخ ثم تموت»!!

وبرغم ان الاحتفال سيكون مختصرا وشكليا، أو رمزيا، وأقرب لان يكون مدخلا إلى اعلان نوايا بتفاهم جديد بين رئيس حكومة إسرائيل ــ دولة يهود العالم، بنيامين نتنياهو، وبين رئيس السلطة الفلسطينية، المنتهية ولايته وبالتالى شرعيته الدستورية، رسميا، والمطعون فى تمثيله شعبه داخل الأراضى التى «منحتها» سلطات الاحتلال للسلطة ثم زرعتها بالمستوطنات، بدليل «انفصال» غزة، واعتراض نسبة مؤثرة من فلسطينيى الخارج، إلا أنه سيكتسب أهمية استثنائية لدى الرئيس الأمريكى، لأنه سيمكنه من ان يقدم التفاهم الجديد للناخب ومن ثم للكونجرس «كإنجاز تاريخى»، لا يقل خطورة عن اتفاق كامب ديفيد، فى عهد كارتر، او عن اتفاق حديقة الورد فى البيت الأبيض بين رئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق رابين وبين «قائد الثورة» الفلسطينية ياسر عرفات، فى عهد كلينتون.

والحق أن أحدا لم يفهم السبب فى دعوة القائدين العربيين، المصرى والأردنى، إلى حضور هذا الحفل المهيب شكلا، والمفرغ عمليا من أى مضمون، إذا ما اعتمدنا المعلن رسميا، أمريكيا وإسرائيليا، حول الهدف منه،
ربما اعتبر المراقبون أن المسئولين العربيين قد دعيا ليكونا «شاهدين» على لقاء عبثى، اقتيد اليه رئيس السلطة الفلسطينية بالإكراه، وعجز عن الاعتراض لأنه لا يملك قراره وليس أمامه ــ فى المدى المنظور ــ أى بديل.

اللافت أن الوحيد الذى يأتى إلى الاحتفال مزهوا بإخضاع الآخرين لشروطه هو رئيس الحكومة الإسرائيلية.. وهو قد أعلن انه «سيدهش المشككين» الذين يتفهم موقفهم، شرط ان يكون «شركاؤنا جديين»! ثم إنه شدد على ان الاتفاق يجب ان يقوم على ترتيبات أمنية مرضية لإسرائيل، وعلى اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل «دولة للشعب اليهودى» وعلى وضع حد نهائى للنزاع! مع انه لم يشر مطلقا إلى وقف التهام أراضى الضفة بالمستوطنات فإنه قد أعلن انه يعلم «أن هناك تشككا عميقا، بعد مرور 17 عاما على عملية أوسلو.. ومن الممكن فهم سبب هذا التشكك».

وإذا كانت حاجة أوباما (وكذلك نتنياهو) إلى وجود الطرفين العربيين السابقين إلى مصالحة إسرائيل مفهومة، فما يظل مستعصيا على الفهم قبول الرئيس المصرى والملك الأردنى المشاركة فى «احتفال» يجرى بالشروط الإسرائيلية المعلنة، وفى ظل ضعف الرئيس الأمريكى والذى قدم الكثير من التنازلات عن موقفه (الأصلى؟!) لإسرائيل.

قد يقول متفائل: إنه يصعب تصور أن يتجشم الرئيس المصرى والملك الأردنى عناء السفر إلى واشنطن، ثم الوقوف من خلف رئيس حكومة إسرائيل ــ دولة يهود العالم، وإلى جانبه رئيس «السلطة» الذى يؤتى به كارها (؟) من أجل «الصورة» مع وعيه بخطورة الكلفة التى قد يترتب عليه أن يدفعها، فقط من أجل نصرة صديقهما الرئيس الأمريكى الأسمر ومساعدته على الفوز فى الانتخابات النصفية للكونجرس.

لابد أن يكون لدى المسئولين العربيين ما يطمئنهما على مستقبل «السلطة الفلسطينية» بقيادة صديقهما محمود عباس المواجه الشرس ــ ومن خارج الشرعية الدستورية ــ لنزعات التطرف والأصولية التى مكنت حماس من إنجاز «انقلابها» والاستيلاء على غزة بقوة السلاح.

ولابد أن يكون لدى هذين المسئولين ما يواجهان بهما شعوبهما، أو ــ أقله ــ القمة العربية المقبلة، والتى يفترض ان تعقد بعد أسابيع قليلة من احتفالات الاتفاق الموهوم بين دولة يهود العالم وسلطة الشرطة البلدية فى رام الله وبعض الضفة.. لا سيما إنهما يقفزان بالتحاقهما بهذا الاحتفال فى واشنطن من فوق مقررات القمم العربية، وتحديدا من فوق المبادرة العربية.

ولا يدرى احد هل استطاع الملك الأردنى عبدالله بن الحسين إقناع الملك السعودى عبدالله بن عبدالعزيز بالخلاصات التى انتهى إليها الاجتماع الثلاثى الذى جمعه فى القاهرة إلى الرئيس المصرى حسنى مبارك ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

أم أن اللقاء الخماسى الذى دعا إليه الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض فى واشنطن سيكون بمثابة الإعلان عن بدء جولة جديدة من جولات التفاوض على التفاوض بين الإسرائيلى المصفح الآن بالمساندة الأمريكية الصريحة وبالتسليم بالعجز عن الاعتراض، عربيا، وبتلهف المفاوض الفلسطينى إلى أى وعد، مجرد وعد، بفتح كوة فى جدار الحصار الخانق الذى يقبع خلفه، وهو ينظر بعينين كليلتين إلى ذوبان الأرض الفلسطينية.

بقى ان نستذكر ان احتفال البيت الأبيض لن يقتصر على التسليم العربى بإسرائيل دولة يهود العالم بل أنه سيكون مناسبة لإبلاغ الضيوف العرب بالإنجاز الأمريكى الخطير الذى اتخذه الرئيس اوباما للتخفيف من حرجهم أمام صور المآسى المرعبة التى تجرى فى العراق تحت الاحتلال الأمريكى.

والإنجاز يتمثل فى القرار التاريخى الذى اتخذه الرئيس، ملتزما وعده، بسحب معظم القوات الأمريكية من العراق وتسليم الأمن فى هذا فى هذا البلد العربى الذى ينزف مقومات دولته ووحدة شعبه، إلى قوات الأمن العراقية.

فالتزاما بما أعلنه الرئيس الأسمر ذو الجذور الإسلامية، باراك أوباما، من أنه سيسحب قواته المقاتلة من العراق الذى تورط فى احتلاله سلفه جورج. و. بوش، فإنه واعتبارا من هذه اللحظة لن يبقى فى ارض الرافدين سوى خمسين ألف جندى أمريكى نظامى، من الوحدات الخاصة إضافة إلى نحو مائتى ألف من المرتزقة المعروفين بأسماء الشركات المستوردة (واشهرها بلاك ووتر ــ أى المياه السوداء)... وهذا سيتم، طبعا، بعد الاطمئنان إلى أن آبار النفط ستكون بأمان، وأن تدفقات الذهب الأسود إلى الأسواق ستتزايد لتبلغ أربعة إضعاف معدلاتها الحالية.

لولا الخوف من تهمة إفساد «العيد» لجاز السؤال عن مصير شعب العراق فى ظل هذا الإنجاز، خصوصا أن الاحتلال الأمريكى قد أكمل ما كان باشره الطغيان الذى حكم ارض الرافدين لست وثلاثين سنة طويلة حفلت بحربين مدمرتين، الأولى ضد إيران التى أسقطت بالثورة الشاه الذى كان يحتقر العرب جميعا ويناصبهم العداء، والثانية ضد الكويت، وهى كانت ذات طابع انتقامى ممن حرضه ودفعه ومول حربه ضد إيران، ثم تخلى عنه بعدها وامتنع عن مساهمته فى إعادة بناء العراق المهدم بالمغامرة..

... ولجاز أيضا السؤال عن دولة العراق التى أكمل الاحتلال تدميرها بقدر ما أكمل مهمة بث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد والتاريخ الواحد والأرض الواحدة، فصار العراقيون طوائف مقتتلة وعناصر محتربة، وتمزقت وحدتهم الوطنية عبر مقامرات طبقة سياسية كانت خارج وطنها، معظم الوقت، وقد تقطعت جذورها ودمرت علاقات بعضها بالبعض الآخر، فلما فتح الاحتلال الأمريكى أبواب السلطة أمامها اختلفت إلى حد دفع الإخوة إلى الاقتتال عبر افتقاد الهوية الوطنية الجامعة وتدمير روابط النسب والقربى والمصالح الوطنية.

لكنها، فى البيت الأبيض، مناسبة للفرح، فلنترك العراق لمخاطر الحرب الأهلية التى تتهدده، وتنذر بتجاوزه إلى محيطه جميعا، وصولا إلى لبنان الذى لما تلتئم جراحه بعد، والذى أخذته الرغبة فى «تدويل» العلاقات بين الإخوة إلى مهاوى الفتنة بتحريض أمريكى (وعربى) مكشوف بذريعة مقاومة النفوذ الإيرانى.. فى حين لم تتوفر مثل هذه النخوة عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية أرضه وسماءه ومياهه قبل أربع سنوات فى حرب صمد لها شعبه بعزيمة مجاهديه المقاومين لثلاثة وثلاثين يوما طويلة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved