بورقيبة والسبسى.. الصيام والمواريث

ناجح إبراهيم
ناجح إبراهيم

آخر تحديث: الجمعة 25 أغسطس 2017 - 9:10 م بتوقيت القاهرة

كان عدد الصحف التونسية التى تصدر فى عهد الاحتلال الفرنسى 25 صحيفة، تحولت فى عهده إلى صحيفتين فقط، أغلق جامع الزيتونة الذى درس فيه ابن خلدون أعظم علماء الاجتماع، وتخرج منه الشاعر العربى العظيم أبو القاسم الشابى وغيرهما من كبار علماء الإسلام.
أعلن نفسه دون سابق إنذار رئيسًا لتونس مدى الحياة سنة 1975م، كان نرجسيًا يعبد نفسه، كان يكره الدين فضلا عن كراهيته لأى شخصية مستقلة لا تنافقه.
وجد اقتصاد بلاده منهارًا ويتدهور يومًا بعد يوم، فكر وفكر، تغافل عن فساده وتسلطه وديكتاتوريته وسجونه وتعذيبه لخصومه وتفشى الرشوة والبيروقراطية فى عهده، نسى كل ذلك ولم يجد شماعة يعلق عليها ضعف بلاده الاقتصادى سوى صيام شهر رمضان.
خرج على شعبه فخورًا منتشيًا فقد عرف سر انهيار بلاده الاقتصادى وعرض طريقة العلاج، شرب كوبًا من الماء أمام الكاميرات فى نهار رمضان ودعا شعبه للإفطار، لم يكتف بذلك بل نظم حملات دعائية وبوليسية لإجبار الموظفين وضباط وجنود الجيش والشرطة والعمال للإفطار، فصل الكثير من الموظفين الذين رفضوا هذا التوجيه المخالف للحريات العامة، فضلا عن صريح الدين وقواعد القانون فى أى بلد حتى لو كان غير مسلم.
هؤلاء لا يعرفون من الدولة المدنية سوى هضم الإسلام، وقهر أتباعه، دكتاتورية واستبداد وتسلط وتعذيب وسجون، ويقولون لك دولة مدنية، لا يتحدثون عن الدولة المدنية إلا فى زاوية واحدة هى هدم ثوابت الإسلام وبالقوة والقهر.
لم يصم أو يصلى بورقيبة يومًا ليعرف هل يضعفه الصيام أم لا، لم يقرأ آية، دراسة اقتصادية علمية تقول: إن شهر رمضان يضعف الاقتصاد، أو يطلع على حجم الرخاء الاقتصادى الذى يحدث للمجتمع فى شهر رمضان لكل التجار بداية من بائع الفول والفلافل ومرورًا ببائعى الملابس والأحذية وانتهاء بشركات السياحة والطيران الذين يعتبرون عمرة رمضان هى باب رزقهم الأكثر، لم يدرس بورقيبة عن القوة الاقتصادية التى يبثها شهر رمضان فى المجتمع.
أمر المفتى الطاهر عاشور أن يؤيده، هدده وتوعده، لكن المفتى لم يستطع أن يغير فى الشريعة هكذا، اكتفى بأن يتلو قول الله تعالى «كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» وكأنه يخير التونسيين بين أمر الله الواضح الصريح فى الآية وأمر بورقيبة، رغم أن المفتى لم يقل شيئًا مباشرًا إلا أن بورقيبة قد عزله.
لم يقف بورقيبة عند هذا الأمر بل نصب نفسه فقيهًا فى الدين وهو لم يركع لله ركعة ولم يصم يومًا من رمضان، قال ساخرًا من القرآن: هل هناك شخص ينام 300 عام، يقصد أهل الكهف الذين خلد ذكرهم القرآن، ناسيًا أن الله الذى يحيى ويميت قادر على كل شىء، هو لا يعرف شيئًا عن طلاقة القدرة فى حق الله، فمعرفة الله شرف لا يهبه الله لأى أحد.
تهكم من تحول العصا إلى ثعبان، تلك القصة التى وردت القرآن ضمن معجزات سيدنا موسى، ناسيًا أنها وردت فى كل الكتب السماوية، لم يهاجم أى دين سوى الإسلام، ولم يهاجم أى حضارة سوى حضارته لأنه يعرف تبعات الهجوم على الآخرين وهو لا يتحمل تبعات الحديث عنها.
«رفع الحجاب عنوة عن امرأة تونسية» فى تمثيلية سابقة التجهيز وسط تهليل المنافقين وهتافاتهم بالنصر المبين، يتحدثون عن حرية لبس المينى والميكروجيب ولكن عند الحجاب لا يعرف أحد الحرية، وينسون كل قواعد الدولة المدنية، لا أمل لا فى الاشتراكى ولا الليبرالى ولا اليسارى ولا الإسلامى السياسى العربى، كلنا ديكتاتوريون فى الحكم وعند النفوذ، وضع كل خصومة فى السجون من كل الأطياف إسلامية ليبرالية اشتراكية يسارية.
البعض يريد الدولة المدنية التى تجتث الإسلام وعلمائه ودعائه، ولكنها تبقى على الاستبداد والديكتاتورية والتعذيب والبقاء اللانهائى على الكراسى والفساد والرشوة، من يريد الدولة المدنية عليه أن يأخذها كلها، لا أن يظل طوال عمره لا يحارب إلا على جبهة هدم ثوابت الإسلام.
طال بقاء بورقيبة فى الحكم حتى أصابه خرف الشيخوخة «الزهايمر»، لم يكن يعرف ما حوله ومن حوله وكانت تدير الأمور شقيقته بعد طلاقه لزوجته وهو الذى حرم الطلاق من قبل.
عزل عن العالم كله، كان التليفزيون التونسى يذيع لقطات له مضى عليها عشرات السنين، لما طف الصاع وفاض الكيل عزله رئيس وزرائه زين العابدين بن على، وعامله بنفس معاملته للآخرين، منع إذاعة جنازته ومنع حضور شخصيات عالمية لجنازته، ومنع إذاعة فيلمًا وثائقيًا عنه فى التليفزيون، ألغى الآخرين فبعث الله من يلغيه ويقصيه من الماضى والحاضر.
الرئيس السبسى بدأ يكرر أفعال بورقيبة تحدث عن المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة، كلام ساذج يدل على أنه لم يقرأ فى الفقه الإسلامى ولا المواريث شيئًا.
هناك فى المواريث فى الفقه الإسلامى 11 حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل، 14 حالة ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، 5 حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال، 4 حالات فقط ترث فيها المرأة نصف ميراث نظيرها من الرجال، ففى أى هذه الحالات يريد المساواة بين الرجل والمرأة فى المواريث. 
اعذروا الرجل فلم يجد شيئًا يتحدث فيه إلى شعبه، لا رخاء اقتصادى، ولا زيادة مرتبات أو معاشات، ولا علاج للتضخم، ولا صناعة حديثة، ولا ديمقراطية حقيقية، ولا استرداد للأموال المنهوبة، والرئيس مثل بورقيبة بلغ من العمر أرذله ويريد البقاء فى السلطة ودغدغة العواطف، لم يجد أمامه إلا هذه الأشياء، وعلى رأى المثل المصرى «وجربناها قبل ذلك ونفعت».

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved