كلمات منسية فى الأزمة المصرية الأمريكية

محمد المنشاوي
محمد المنشاوي

آخر تحديث: الجمعة 25 أكتوبر 2013 - 4:19 م بتوقيت القاهرة

ديمقراطية تشمل الجميع «Inclusive Democracy» هى الكلمة التى يتجاهلها كل المسئولين الرسميين المصريين وأصدقائهم من خبراء الشأن الأمريكى ممن يظهرون على الفضائيات أو يكتبون فى الصحف أو يتحدثون فى الندوات. ولا يعرف سبب إحجام الحكومة المؤقتة، ولا أنصارها، عن ذكر ما تؤكده المواقف الأمريكية من أن واشنطن يزعجها الاقصاء الكامل لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى من خريطة الطريق المطروحة منذ الاطاحة بالرئيس الإخوانى محمد مرسى فى الثالث من يوليو.

•••

عندما خرج بيان رسمى أمريكى على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين ساكى يوم التاسع من الشهر الجارى، وأعلن فيه وقف توريد بعض الأسلحة من طائرات وصواريخ ودبابات، عبرت ساكى عن الموقف الأمريكى بوضوح. استخدمت المتحدثة عبارات مثل «مصر ستكون أقوى عندما تُمثّل من خلال حكومة مدنية شاملة منتخبة ديمقراطيا»، وأن بلادها ستوقف تسليم بعض الأسلحة والمساعدات النقدية للحكومة فى انتظار «تحقيق تقدم موثوق نحو قيام حكومة مدنية شاملة منتخبة ديمقراطيا»، ومرة ثالثة بقولها إن الولايات المتحدة ومصر لديهما شراكة طويلة الأمد والعديد من المصالح المشتركة، بما فى ذلك «التشجيع على قيام مصر مستقرة ومزدهرة وشاملة دون إقصاء». وهكذا يُفهم أن واشنطن يزعجها كثيرا ما تراه اقصاء أمنيا وقانونيا وماليا وسياسيا لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسى الحرية والعدالة.

وقبل ذلك تحدث الرئيس الأمريكى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضى مؤكدا أيضا على مفهوم «ديمقراطية تشمل الجميع» إذ قال بعدما هاجم سجل حكم الرئيس مرسى «إن الحكومة المؤقتة التى حلّت محله استجابة لرغبات ملايين المصريين ممن كانوا يؤمنون بأن الثورة اتخذت منحى خاطئا. لكن هذه الحكومة هى أيضا اتخذت قرارات لا تتفق مع الديمقراطية الشاملة بتبنيها قانون طوارئ وفرضها قيودا على الإعلام والمجتمع المدنى وأحزاب المعارضة». وعاد أوباما ليؤكد أن دعم بلاده سيوقف على «مدى تقدم مصر فى السعى على الطريق الديمقراطى».

وتعتقد معظم الدوائر الأمريكية المهمة أن السعى لإقصاء جماعة بقوة وتاريخ وشعبية الإخوان المسلمين من المشهد السياسى المصرى هو درب خيال خاصة بعدما سيطرت الجماعة وحلفاؤها على البرلمان والرئاسة المصرية عندما أجريت انتخاباتهما بحرية تحت إشراف لمجلس الأعلى للقوات المسلحة. وتؤمن واشنطن أن إقصاء الجماعة وحزبها السياسى وتجميد أموالهم واستمرار مسلسل الاعتقالات، إضافة لما تشهده مصر من إراقة دماء بصورة روتينية يمهد لحالة ثابتة من «عدم الاستقرار» وهو يناقض هدفها الأساسى فى وجود مصر مستقرة.

•••

وعلى العكس من تجاهل عرض حقيقة الموقف الأمريكى نشهد اتجاها عاما يخدع المواطنين البسطاء يقول إن المساعدات العسكرية واستمرارها مرتبط بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وأن توقف المساعدات يعنى الاخلال بأحد بنود المعاهدة الموقعة عام 1979. ولمن اطلع على بنود المعاهدة يكتشف أنه لا يوجد ذكر نص يحتم تقديم واشنطن مساعدات لمصر ولا حتى لإسرائيل. ويطرح هذا سؤالا يتعلق بأسباب استمرار تلقى مصر هذه المساعدات؟ الاجابة ببساطة جاءت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية التى ذكرت أن «الولايات المتحدة غير ملزمة بتقديم المساعدات لمصر بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، ولكنها تقدم هذه المساعدات نظرا لأنها تخدم المصالح الوطنية الأمريكية فى منطقة حاسمة ومتقلبة».

•••

إدارة أوباما أحجمت رسميا عن تسمية ما حدث بمصر انقلابا عسكريا، إلا أنها تتصرف وكأنه انقلاب من خلال إجراءات عقابية متزايدة. ورغم إدراك أوباما كما ظهر خلال حواره مع شبكة سى إن إن يوم 23 أغسطس الماضى من أن «المساعدات لمصر لن تغير ما قامت وتقوم به الحكومة المؤقتة». إلا أن أهم ما ذكره قوله «أن العلاقات لن تعود على ما كانت عليه بسبب ما حدث». وطالب بضرورة مراجعة علاقات بلاده مع مصر بصورة شاملة. إلا أن مطالب مراجعة العلاقات تصطدم بثلاث نقاط شديدة الأهمية:

أولا: احتفاء قادة البنتاجون خلال شهر أغسطس من العام الماضى بوصول أول قيادة عسكرية تلقت تعليمها العالى بالولايات المتحدة American Trained Officers ممثلة فى الفريق عبدالفتاح السيسى والفريق صدقى صبحى، خريجى كلية الحرب الأمريكية بولاية بنسلفانيا. ويصعب على الكثير فى البنتاجون معاقبة أول قيادة تتفهم العقيدة العسكرية الأمريكية وترتبط بعلاقات ومعرفة واسعة مع المؤسسة العسكرية الأمريكية. وحسبما أقر لى أحد كبار مسئولى وزارة الدفاع الأمريكية «أن ما حدث فى الثالث من يوليو مثل للبنتاجون صدمة كبيرة وحرجا لا حدود له لقيام ضباط تدربوا بأمريكا بانقلاب على رئيس منتخب». ولذلك السبب تتجاهل واشنطن هذا الحرج وتختار أن تركز فقط على إدانة أعمال العنف.

ثانيا: يدرك فريق كبير فى واشنطن أن المساعدات تحفظ لواشنطن نفوذها فى مصر لحد كبير رغم انحسار حجم هذا النفوذ، وتحافظ فى الوقت نفسه على مصالحها فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى والتعاون الاستخبارى. ورغم أن الجيش المصرى لا يقبل دائما ما يطرح عليه من واشنطن، إلا أن خسارة العلاقات والتواصل مع الضباط المصريين سيكون خسارة كبيرة للولايات المتحدة.

ثالثا: رغم إرسال واشنطن اشارات متعددة للنظام الجديد بمصر بضرورة الابتعاد عن الخيار الأمنى فى حل المشكلة السياسية فى مصر ورغم مطالبتها المتكررة بحل سياسى يشمل الجميع، إلا أن الحكومة المصرية ما تزال مصممة على السير فى الاتجاه المعاكس لما تراه واشنطن بالاعتماد فقط على الحل الأمنى الذى تراه واشنطن مضرا بمستقبل الاستقرار فى مصر وأيضا بالمصالح الأمريكية. ولا يعرف أوباما كيف يضغط أكثر من ذلك بدون خسارة الحليف المصرى.

•••

التهديدات الأمريكية بالقطع الكامل للمساعدات العسكرية غير واقعية. واشنطن لن تضحى بمن يحكم مصر بسهولة، وستقدم واشنطن على هذه الخطوة فقط إذا تعدت مصر الخطوط الحمراء الحقيقية التى لا يوجد لها تعريف أمريكى إلا إلغاء القاهرة لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved