«آيس كريم في جليم».. فيلم حمل مصير أبطاله

وليد أبو السعود
وليد أبو السعود

آخر تحديث: السبت 25 أكتوبر 2014 - 1:19 م بتوقيت القاهرة

"هي دي النهاية يا زرياب" أشهر جمل الفيلم التي تعكس وبكل وضوح مصير أبطاله ومستقبلهم، إنها الجملة التي أطلقها أشرف عبد الباقي صارخا باكيا هائما على وجهه في شوارع القاهرة ناعيا لها رحيل عاشقها الكبير زرياب الذي لم يكن يعرفه حتى عبد الباقي نفسه، إنه كان ينعي مصيره هو شخصيا وباقي صناع الفيلم .

الفيلم الذي ظهر للنور عام 1992 وقتها بدأت موجة المطرب الذي سيسمي نفسه فيما بعد بالهضبة أو عمرو دياب والفترة التي عاش فيها في جلباب عبد الحليم حافظ فحاول أن يقدم نفسه ممثلا مثله وقدم عدة تجارب تمثيلية كان انضجها هذا الفيلم وشاركه البطولة عدد من رموز جيل الثمانينات والتسعينات سواء سيمون أو حسام حسني وأشرف عبد الباقي ومعهم حسين الإمام وعزت أبو عوف.

الفيلم وبوضح رسم فيه كل من محمد المنسي ومدحت العدل ملامح الجيل المولود في السبعينات والثمانينات وبداية انفتاحه وحلمه بالحرية والانطلاق من خلال شخصية سيف الشاب الفقير الساكن بأحد جراجات المعادي والحالم دوما بالهجرة التي تنقذه من عالمه الخانق بالنسبة له ومعه فرقته التي أطلق عليها اسم شارع 9 أحد أهم شوارع المعادي وأكثرها حيوية. الذي يعمل مع زيكو وهو الشخص الذي يلعب دوره حسين الإمام المتخصص في بيع كل شىء وأي شىء في سبيل حصوله على النقود.

وكيف يقابل نور الشاعر البوهيمي التلقائي الذي يلعبه أشرف عبد الباقي في الحجز ليتعارفا ويحاولان دخول عالم النجاح ومعهم زرياب الموسيقار الذي طحنته الحياة فيقرر أن يرحل إلى أعماق ذاته يائسا محبطا حتى تتحرر روحه من جسده المثقل المتعب.

وابنته آية الفتاة البريئة الحائرة بين الاثنين. وفي الوقت نفسه يرتبط سيف وبدرية "سيمون" بقصة حب وهي الفتاة التي قررت أن تبحث عن الثراء السريع فتضيع بين حبها وطموحها. وعلاء ولي الدين فرد الأمن البدين الذي يضحك عليه سيف كلما رأه.

كل هذه الشخصيات تتلاقى وتختلف وتتصارع وتتنافر وإن سيطر عليها شىء واحد هو رسالة الوداع التي أرسلها مخرج الفيلم لمرحلته السينمائية والتي اتبعها بتجربة "قشر البندق"التي كان أحد أبرز صناعها لينتقل لمرحلة من النحت الجميل مع أول مسلسلاته "مسألة مبدأ".

التصوير جاء واقعيا ومعبرا كما عودنا طارق التلمساني وخصوصا في مشاهد مثل أغنية "هتمرد عالوضع الحالي" وموت زرياب وبيته وبيت عمرو دياب نفسه. نجح محمد المنسي قنديل ومدحت العدل في صنع حالة تنبأت بمصير جيل كامل بل وتعدتها لتصبح نبوءة حملت مستقبل صناع التجربة نفسها فخيري بشارة مخرج العمل عبرت عنه وبكل قوة شخصية زرياب الذي يقدم فنا جميلا وسينمائيا راقيا : "الطوق والإسورة" و "إشارة مرور" و"يوم مر ويوم حلو" لكن الجمهور الذي صنع بشارة أفلامه عنه وله لم يقبل عليها بالقدر الكافي فقرر أن يكتب نهايته بيده وينهي رحلته السينمائية ليبدأ عهدا جديدا مع التليفزيون، وكأنه يرسل رسالة وداع شديدة الرومانسية والتمرد إلى جمهوره.

أما عمرو دياب فظلت شخصية سيف هي شخصيته المسيطرة شخص يرغب فقط في الغناء والتعبير عن نفسه دون أي رغبة في التعمق داخل نفسه أو صنع تجربته المهم أن يغني وإحنا معاه ليظل عمرو وبرغم مرور كل هذه السنوات باحثا عن نفسه كسيف بطل الفيلم.

أما حسين الإمام أو زيكو الذي بدأ حياته كمبدع موسيقي غير تقليدي تمرد هو وشقيقه مودي الإمام في موسيقاه ليصبح بعدها شخصا طيبا يحاول أن يواصل جنونه وتمرده، ولكنه في النهاية يصبح نحيتا كمذيع تليفزيوني في برامج المقالب والطبخ مبتعدا عن معشوقته الموسيقى وإن أفسح لها العنان أحيانا لتطلق صرختها التي تطالبه فيها بالتمرد قبل أن يرحل بصورة مفاجئة وكانه سئم من هذه اللعبة التي جعلت قلبه يتوقف لأنه لا يستطيع أن يرقص كما يتمنى. أشرف عبد الباقي هو الفنان الموهوب ولكن بلا مفاتيح السوق والذي يفتقد إدارة موهبته فيصبح عنصرا في عملية نجاح ولكن في تجاربه هو الخاصة لا يصل لجمهوره.

سيمون فنانة ومغنية لمعت في الثمانينات والتسعينات ولكنها حاولت التمرد والخروج من منطقتها ففقدت كل شىء ولم تستطع العودة لمربعها كسيمون الفتاة الشقية البريئة التي تحمل هموم وآلام فتيات جيلها لتنفصل عنهم وتغني باليوناني تارة وتمثل تارة لتتوه في زحام الحسابات الخاطئة. في النهاية أدعوك لمشاهدة الفيلم مغنيا مع بطله "هتمرد عالوضع الحالي" وصارخا "أنا حر" واسال نفسك هل نجح صناعه في التمرد؟! أم ما زالوا يسيرون على رصيف نمرة خمسة؟ صامتين مثلنا جميعا؟.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved