درس أكتوبر.. عربيا

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الأحد 25 أكتوبر 2015 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

النقيب طيار وليد عبداللطيف، والملازم أول طيار سامى فاضل والملازم طيار عامر أحمد، ثلاثة طيارين عراقيين، استشهدوا أثناء مشاركتهم مع إخوانهم المصريين فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ المجيدة. هذه المعلومة عرفتها بالمصادفة من رسالة رقيقة أرسلها لى قبل أيام السفير العراقى بالقاهرة ضياء الدباس.

السفير الدباس ذكرنى أيضا بفقرة مهمة وردت فى الصفحة رقم ٢١٧ من مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلى رحمه الله تقول نصا:

«ويجدر بى بهذه المناسبة أن أشيد بالسرب العراقى والطيارين العراقيين، فقد كان أداؤهم فى ميدان المعركة رائعا مما جعلهم يحوزون ثقة وحداتنا البرية، ففى أكثر من مرة كانت تشكيلاتنا البرية عندما تطلب معاونة جوية ترفق طلبا يقول نريد السرب العراقى، أو سرب الهوكوهنتر، وهذا فى حد ذاته يعتبر شهادة لكفاءة السرب العراقى وحسن أدائه خلال حرب أكتوبر».

شكرا للسفير الدباس ان ذكرنا بهذه اللحظات العروبية الأصيلة، وللموضوعية فلم يكن العراق فقط هو من وقف بجانب مصر وسوريا فى هذه الحرب المجيدة.

السعودية والإمارات وبقية دول الخليج أوقفت ضخ البترول للبلدان التى تساعد العدو الصهيونى، وقدمت مساعدات مالية هائلة، والجزائر كان لها دور بارز ليس فقط بالمقاتلين، لكن بدفع ملايين الدولارات للاتحاد السوفييتى كى يوافق على إرسال أسلحة وقطع غيار إلى مصر.

ليبيا أيضا فعلت نفس الشىء، واستضافت معدات عسكرية مصرية هى والسودان الشقيق.

غالبية البلدان العربية تقريبا ساهمت فى انتصار أكتوبر بصورة أو بأخرى، منهم من شارك بالجنود وبعضهم استشهد، ومنهم من ساهم بالتمويل، ومنهم من ساهم بطرق أخرى كثيرة.

العرب جميعا اعتبروا المعركة معركتهم، وكانت بالفعل لحظة فخار حقيقية، نشعر بها الآن اكثر من أى وقت مضى، ونحن نرى أوضاعنا التى لا تسر إلا عدونا.

حينما شارك الطيارون العراقيون فى حرب أكتوبر، لم نسأل وقتها: هل هم سنة أم شيعة، وأغلب الظن أن السؤال لم يكن مطروحا بالمرة وقتها فى المنطقة، أقصد تصنيف العرب على أساس الطائفة أو القبيلة أو حتى الدولة.

هذا الوباء الطائفى لم يكن منتشرا حتى فى البلدان التى بها سنة وشيعة، والذين حاربوا وانتصروا فى سوريا أيضا خلال حرب أكتوبر، لم يسأل أحد وقتها هل هم سنة أو علويون، شركس أم أكراد، سريان، أم أرمن. كان الجميع يتكلم فقط بلغة عروبية واحدة موحدة، فى هذه اللحظات التى محت هزيمة يونيو ١٩٦٧ المذلة.

كان العرب إلى حد كبير يدا واحدة فعلا وليس قولا، توحدوا فى سيناء والجولان، ولذلك انتصروا، ليس فقط على إسرائيل، ولكن على كل من ساعدها خصوصا الولايات المتحدة، وبعض البلدان الأوروبية.

وحتى لا ننسى أيضا فإن شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوى ساند إسرائيل، لأنه كان يعتبر نفسه شرطى المنطقة وكيلا عن أمريكا والغرب.

المفروض أن هذا التاريخ كله معروف ومكتوب لكل من يتذكر هذه الأيام، أو لمن قرأ عنها تفصيلا، لكن استعادته مهمة الآن حتى نستخلص العبرة الأساسية، وهى أننا لن نتقدم أو ننتصر على أنفسنا وهزائمنا وتخلفنا إلا إذا حكمنا العقل والمنطق والعلم، وهجرنا الخرافة والدجل والشعوذة والتطرف.

انتصارنا على إسرائيل عدونا الرئيسى ــ يبدو للأسف بعيدا ــ بعد أن تفرغنا لقتل أنفسنا والانتحار جماعيا، وصار العدو الصهيونى أقرب لبعض العرب من إخوانهم العرب الآخرين.

الحرب الأهلية والطائفية والجهوية والعرقية تنتشر وتتوغل فى أكثر من بلد عربى، وهناك دول عربية مهددة بالاندثار تماما أو التشظى والانقسام، ولن نتمكن من الخروج من هذه الدائرة الجهنمية إلا باسترجاع درس أكتوبر: العلم والتخطيط والجهد والتضامن العربى.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved