نيبوار.. وحال العرب الذى لا يتغير!

عمرو حمزاوي
عمرو حمزاوي

آخر تحديث: الخميس 26 فبراير 2015 - 9:45 ص بتوقيت القاهرة

منذ أيام قليلة، وقعت يدى على كتاب المستشرق الألمانى كارستن نيبوار "وصف رحلة إلى بلاد العرب والأقاليم المجاورة" والمنشور فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر. وبوصف نيبوار توثيق ﻷحوال شبه الجزيرة العربية وقبائلها وأوضاعها المعيشية والاقتصادية والتجارية والسياسية، وبه أيضا معالجة تفصيلية لدور الدين فى حياة القبائل العربية آنذاك.

بالإضافة إلى الأهمية المعرفية والفكرية والتاريخية لوصف نيبوار ــ الذى لم يتورط بالنهج التعميمى والتسطيحى للكثير ممن سبقوه وتلوه من المستشرقين الأوروبيين واهتم بتسجيل الكثير من التفاصيل وعرضها متجردا من انحيازاته الدينية والفكرية كأوروبى مسيحى عاصر بدايات صعود الغرب العلمى والصناعى والعسكرى ونزوعه للسيطرة الاستعمارية على بلاد الشرق التى كانت طاقتها الحضارية تتراجع بشدة مع تردى أوضاع السلطنة العثمانية، يحمل الكتاب ملاحظات وإشارات هامة ﻷسباب الضعف الاقتصادى والاجتماعى والسياسى لبلاد العرب كما تبدت فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر ــ والكثير منها حللته فيما بعد خلال القرنين التاسع عشر والعشرين أعمال المفكرين والتنويريين العرب والمصريين، ومازلنا نعمل على تشريحه والبحث عن فرص حقيقية لتجاوزه فى زمننا الراهن.

يربط نيبوار 1) بين "الضعف العربى" وبين محدودية فاعلية مؤسسات وأجهزة الحكم الناتجة عن تآكل قوة السلطنة العثمانية وعجز قبائل شبه الجزيرة العربية عن الاضطلاع بمهام الحكم بطرق غير استبدادية، 2) بينه وبين غياب النظم الحديثة (بمعايير القرن الثامن عشر) ﻹدارة شئون الناس المعيشية والصحية وتنظيم مجالات الأنشطة الاقتصادية والتجارية وتوفير الأمن.

3) بينه وبين صراعات القبائل ومعارك شيوخها التى لا تنتهى وتعسفهم مع الضعفاء من السكان، 4) بينه وبين تراجع وزن المعرفة العلمية والتفكير العلمى وتنامى سطوة الفهم النصى / المغلق للدين وسطوة التقاليد وحراسها الزائفين ممثلين فى أهل الحكم وشيوخ القبائل ورجال الدين وتوظيفهما للحد من حرية الناس ومن ممارستهم لإعمال العقل، 5) بينه وبين تردى أحوال مؤسسة القضاء والنظم التعليمية والتنظيمات المجتمعية الوسيطة (تجمعات التجار وأهل الحرف على سبيل المثال)، وعلى تماسك وتفوق هذه المؤسسات وعقلانية وتسامح القائمين عليها من قضاة وعلماء وتجار اعتمد تقدم الحضارة العربية الإسلامية منذ بزوغها وحتى نهاية القرون الوسطى.

ملاحظات وإشارات نيبوار هذه، والتفاصيل العديدة التى يوردها فى وصفه لأحوال بلاد العرب فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، يسهل إسقاطها على واقعنا المعاصر ــ ربما مع بعض التعديلات اللغوية وبعض الإضافات التحليلية: ضعف مؤسسات وأجهزة الحكم، غياب نظم الإدارة الحديثة، شيوع الاستبداد وانتهاك حقوق وحريات الناس، تآكل سلم المجتمعات الأهلى بفعل الصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية ومعارك الحكم والسياسة وتوزيع الثروة والموارد، محدودية المعرفة العلمية والتغكير العلمى وانهيار النظم التعليمية ووضعية العرب كمستهلكين لما يبدعه وينتجه الآخرون، سطوة الفهم الرجعى للدين ولدوره فى المجتمع وعلاقته بقضايا الحكم / السلطة، حصار مبادرات المواطن الطوعية والمجتمعات المدنية وتفريغهما من المضمون العقلانى والتنويرى والتنموى عبر الممارسات القمعية والقيود الأمنية، وأزمة سيادة القانون ومساواة الناس جميعا دون تمييز أمام المؤسسات القضائية.

ملاحظات وإشارات نيبوار هذه، والتى فصلتها الأقلام العربية خلال القرنين الماضيين ومازالت تفعل ذلك إلى اليوم أملا فى توعية الناس وتحقيق التغيير الإيجابى، تعيدنا إلى مسئوليتنا كعرب عن تخلفنا الحضارى المتصل كتب المستشرق الألمانى وصفه فى القرن الثامن عشر، وإلى أولوية أن نعمل العقل فى العوامل الداخلية التى أبقتنا فى مواقع الوهن وخانات الضعف عوضا عن إنتاج المزيد من نظريات المؤامرة وأحاديث المظلومية التاريخية الخائبة.

متى سنستفيق من غيبوبتنا؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved