المشكلة ليست تشريعات فقط

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

آخر تحديث: الجمعة 26 فبراير 2016 - 11:20 م بتوقيت القاهرة

أن يجتمع رئيس الجمهورية مع وزير الداخلية، ثم يصدر بيانا رسميا يطالبه فيه بسن تشريعات عاجلة خلال ١٥ يوما لوقف تجاوزات الشرطة ضد المواطنين فهذا أمر جيد علينا أن نشيد به، وان يطالب الرئيس وزير الداخلية علنا قبل ثلاثة ايام بعدم اهانة المواطنين امر ينبغى ان نحييه.

وبعد التحية والإشادة علينا أن نسأل السؤال الجوهرى: هل مشكلة تجاوزات الشرطة سببها غياب التشريعات فعلا، أم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير؟!

من الطبيعى أن صدور تشريعات محددة ورادعة قد يساهم فى تقليص المشكلة، لكن أغلب الظن أنه لن يقضى عليها تماما، السبب الرئيسى فى ذلك أن العديد من المشكلات والأزمات المتوطنة فى مصر لا يعود إلى غياب التشريعات، بل إلى غياب إرداة حل المشكلات من جذورها، والأهم عدم توافر مناخ عام يساعد على هذه الحلول.

لمن لا يصدق ذلك نشير إلى أمثلة محددة لم يمر عليها إلا أسابيع أو شهور قليلة.

فى كل مرة تقع حوادث طرق مأساوية تسارع الحكومة إلى تشديد العقوبات. حدث ذلك قبل شهور حينما تفحمت جثث عشرات التلاميذ الصغار فى البحيرة بعد اصطدام حافلتهم مع سيارة تحمل الوقود. وقتها هللنا جميعا لهذه الإجراءات والعقوبات، لكن الحوادث تزيد ولا تقل. شهدنا عشرات الحوادث لسيارات النقل الثقيل التى تعيث فى الطرق فسادا، وترتكب كل أنواع الحوادث بما فيها القفز من فوق الجسور والكبارى والطريق الدائرى فوق المارة. وصدرت كل التشريعات، لكن الجميع يعرف أن الحكومة بكل أجهزتها عاجزة عن تطبيق الحد الأدنى من إجراءات السلامة فيما يتعلق بالمقطورات لأن لوبى النقل الثقيل، اختبر الحكومة أكثر من مرة وفرض كلمته على حساب أرواح مئات الضحايا الأبرياء.

لدينا تشريعات عبقرية فى النقل والمرور، لكنها لا تطبق وبالتالى فلا قيمة لها.

ومن حوادث النقل البرى إلى حوادث النقل النهرى فقد تم تشديد العقوبات على كل المراكب النيلية والمعديات خصوصا بعد كارثة الوراق. وشهدنا وقتها هبة حكومية ممتازة جدا استمرت لأيام قليلة حتى هدأت أرواح الضحايا وتسلم أهاليهم التعويضات الرمزية، ثم عادت الأمور لسابق عهدها. ووقع حادث جديد فى كفر الشيخ، وتكرر نفس الكلام.

هل مازلنا نتذكر انتفاضة معظم الأجهزة الحكومية بعد كارثة ملهى الصياد فى العجوزة، حينما أشعل مجموعة من العاطلين النار فى الملهى ما أدى لمقتل نحو عشرين شخصا؟!

سمعنا عن حملات وإجراءات وتشديدات، ثم انصرف الجميع إلى حال سبيلهم، فى انتظار كارثة جديدة للأسف، نعيد فيها تكرار الصريخ والعويل والرثاء!

لدينا مواثيق شرف صحفية وإعلامية متعددة، ولدينا عقوبات مشددة للسب والقذف، ورغم ذلك لدينا أسوأ حالات الانفلات الإعلامى التى لم نشهدها منذ نشأة وسائل الإعلام.. فهل المشكلة هى غياب التشريعات.. أم غياب إرادة محاسبة المنفلتين والشتامين، بل ربما استخدامهم فى تصفية حسابات مع آخرين؟!

لدينا تشريعات تحاسب الموظف البسيط لو اختلس خمسة قروش، وتوقفه عن العمل، لكن لدينا تقريبا أكبر نسبة فساد إدارى، ورشاوى صار معظمها مقننا ومقبولا اجتماعيا.

مرة أخرى صدور تشريعات لمواجهة تجاوزات الشرطة وأى تجاوز فى أى قطاع ــ مسألة فى غاية الأهمية، علينا ان نشجعها، لكن الأهم ان نضمن تطبيقها، حتى لا تنضم إلى أخواتها من التشريعات الأخرى.

وبالتالى فأسوأ شىء أن تصدر هذه التشريعات المتوقعة التى تعاقب كل رجل شرطة يسىء استغلال وظيفته أو يهين كرامة خلق الله، ثم لا يتم تطبيقها. إحدى مشاكل مصر الحقيقية هى غياب الإرادة من الإنتاج إلى تطبيق القانون.

ما ينتظره عموم المصريين من حكومتهم هو ان تتوقف تجاوزات الشرطة سواء كان ذلك بتشريعات جديدة أو مجرد تعليمات، أو بإعادة هيكلة قطاع الشرطة من جديد وإقناع أفراده أن وظيفتهم الأساسية هى حفظ الأمن والاستقرار واحترام حقوق الإنسان.

ما يحتاجه المصريون ليس التشريعات فقط، بل الحفاظ على كرامتهم وليس إهانتهم أو انتهاكها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved