إن ضاع القصاص فليبقَ الوفاء

مصطفى النجار
مصطفى النجار

آخر تحديث: الجمعة 26 أبريل 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

هل ضاع دم أخى بلا ثمن؟ هل حققتم ما مات أخى ورفاقه الشهداء من أجله؟ أعرف أن القصاص لن يأتى فقد طمسوا الحقيقة ليفلت المجرمون ولكن ذهب أخى شهيدا لتتغير حياة الناس إلى الأفضل فهل تغيرت؟

 

كانت هذه الكلمات فى بيت الشهيد أحمد كمال بمدينة طنطا وهو أحد الشهداء المنسيين مثله مثل عشرات الشهداء فى محافظات مصر الذين استشهدوا يوم ٢٨ يناير، ورحلوا فى صمت بعيدا عن أضواء الإعلام وصخب القاهرة، كانت دموع شقيقته تنهمر ليس حزنا على فقده بل على حال مصر وما وصلت إليه، قالت لنا: إن أخى لم يهتم يوما بالسياسة ولكنه كان متألما لفقر الناس وبؤس حالهم وكان يحلم كل يوم بمستقبل أفضل تعود للناس فيه كرامتهم الإنسانية ويحصلون على حقوقهم الآدمية.

 

وفى يوم استشهاده ارتدى ملابسه وصفف شعره وودعنى بابتسامة، وقال لى: لا تخبرى أبى أين أنا ذاهب حتى لا يقلق وبعد ساعات قليلة كانت دماء أحمد تروى الأرض وهو يحاول حماية أصدقائه من المتظاهرين فى جمعة الغضب وحين نقلوه إلى المستشفى وذهبنا اليه كان ثابتا ومطمئنا وقبل والدى، وقال له «اوعى تزعل منى يا بابا أنا ما عملتش حاجة غلط أنا عملت الصح ومصر خلاص هتبقى كويسة ومش هيبقى فيها ظلم تانى ادعى لى يا بابا»، وفارقت أنفاسه الحياة وظل حلمه أمام عيوننا لا يموت.

 

خلال سنتين كاملتين حاولت أسرة الشهيد تسمية الشارع الذى يقيم فيه باسمه تخليدا لذكراة ولكنها لم تنجح وحين استطاعت الحصول على موافقة بتغيير اسم أقرب مدرسة إلى بيته باسمه وصدر القرار الإدارى بذلك لم يتم تنفيذ القرار حتى الآن ومن المؤسف أن عدد من مديرى المدارس التى كانت تحمل اسم الرئيس المخلوع رفضوا تنفيذ القرار حتى الآن وحين قام بعضهم بتغيير الاسم رفض أن يكون الاسم الجديد للمدرسة هو أحد أسماء الشهداء بل اختار أسماء أخرى!

 

مررت بهذه التجربة فى محافظة القاهرة مع حالة الشهيد طارق عبداللطيف والشهيد سيف الله مصطفى موسى والشهيد محمد مصطفى (كاريكا) وغيرهم من خيرة أبناء مصر من الذين دفعوا أرواحهم ثمنا وفداءا لشعب مصر وللحرية ومازال الوطن يضن عليهم بأبسط الحقوق وعلامات الوفاء التى لا تحتاج إلى جهد كبير بل موافقات إدارية ومتابعة للتنفيذ يستطيع أن يقوم بها أى محافظ وأى رئيس حى ولكنهم للأسف حتى الآن لا يفعلون وكأن هذه الثورة يجب أن تنسى ويجب أن تمحى أسماء الشهداء من الذاكرة!

 

•••

 

كم تاجر الكثيرون بالشهداء وكم سمعنا وعودا انتخابية من الكل بتحقيق القصاص ولا ننسى رئيس الجمهورية الذى قال للمصريين ولأهالى الشهداء دم الشهداء فى رقبتى ولن يضيع، وها هى الدماء تضيع والحقوق تنسى وحتى أقل ما يربط على قلوب الأمهات الثكالى والآباء المكلومين لا نفعله فهل هذا هو الوفاء؟

 

والد الشهيد سيف الله مصطفى طلب أن يقيم لوحة صغيرة فى أحد الميادين بالحى الذى يقيم فيه ويكتب عليه اسم ابنه الشهيد ذا الستة عشر عاما والذى أصابته رصاصة الغدر نهار جمعة الغضب فى ميدان الساعة بطريق النصر، وتعهد أن يتكفل هو بمصاريف عمل اللوحة ولكن حتى الآن لا أحد يعيره اهتماما مما أصاب الرجل بالإحباط والحزن الشديد بعد أن فقد الأمل فى تحقيق القصاص ومحاسبة من سرقوا حياة ابنه!

 

إن ما نتحدث فيه قد يبدو للبعض من الترف ولكنه بالنسبة لأسر الشهداء حلم يتمنون تحقيقه، وهو حلم بسيط عجزنا عن تحقيقه لهم يجسد الفشل المستمر فى التعامل مع ملف الشهداء الذين يخفت الحديث عنهم يوما بعد يوم تحت وطأة الأحداث وتسارعها.

 

إننى أطالب السيد رئيس الجمهورية بشخصه بإصدار قرار جمهورى واجب التنفيذ يلزم رئيس الوزراء والمحافظين ورؤساء الأحياء بإطلاق أسماء الشهداء على الشوارع التى يسكن فيها أهلهم وكذلك إطلاق أسمائهم على أقرب مدرسة من محل سكنهم ولا يكون هذا بطلب يقدمه أهالى الشهداء بل يكون تلقائيا من الجهة الإدارية التى يتبعها محل السكن ويمكن الحصول على أسماء الشهداء المسجلين من خلال صندوق الشهداء ومصابى الثورة وكذلك كثير من المنظمات الحقوقية والوسائل الإعلامية لديها ملف كامل بأسماء الشهداء فى كل محافظات مصر.

 

فى قلب العاصمة الأمريكية واشنطن يوجد حديقة فى وسط المدينة بالقرب من البيت الأبيض بها جدارية كبيرة تأخذ شكل الممر عليها أسماء كل شهداء الحروب الأمريكية وبجوارها تماثيل لبعضهم وسجلات ورقية يمكن لأى شخص مطالعتها وتصفحها تحكى نبذة عن كل شهيد ومكتوب فى مدخل المكان: بهؤلاء عاشت أمريكا.

 

•••

 

من المؤلم بعد عامين من الثورة أن اضطر لكتابة مقال يحمل هذه المناشدة، أشعر بالخجل الشديد وبالعار الذى يلاحقنا بسبب تقصيرنا فى حق الشهداء الذين لم يتحقق لهم القصاص حتى الآن وقد لا يتحقق للأسف، لذلك إن عجزنا عن إقامة القصاص فلا يجب أن نكون من الأنذال الذين ينسون فضل الناس عليهم.

 

من ينسى من ماتوا من أجل أن يعيش لا يستحق أن يعيش.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved