الأحزاب السياسية

جورج إسحق
جورج إسحق

آخر تحديث: السبت 26 مايو 2018 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

تعتبر الأحزاب بصورتها الحالية من المفاهيم السياسية الحديثة، ارتبط ظهورها بظهور المجالس النيابية، وهى بذلك ناتج من نتائج الديمقراطية ومبدأ سيادة الشعب. وتلعب الأحزاب السياسية فى الديمقراطيات العريقة دورا مهما وحيويا، وتمثل العمود الفقرى للحياة السياسية، ويتبع أهمية دورها وفاعليته نتائج الانتخابات التى تشارك فيها، فهى إما أن تستلم السلطة وتدير الحكومة وتسيطر على البرلمان، أو تكون فى المعارضة، فتلعب دور المراقبة والمحاسبة على الحزب أو الأحزاب التى فى الحكومة.


إن الحديث عن الأحزاب السياسية فى مصر هو حديث يبعث الشجن والألم السياسى، فالأحزاب السياسية فى مصر قديمًا كانت تفوق قدرة الأحزاب السياسية حديثًا فى الاتصال بالجماهير وقدرتها فى التأثير عليها، وقد سجل التاريخ أحزابًا هشة قبل ثورة 25 يناير 2011، على الرغم من أن عدد الأحزاب السياسية بلغ ما يقرب من 84 حزبًا سياسيًا قانونيًا؛ فإن الواقع المرير كشف النقاب عن أن العديد منها لم يكن يتعدى مقرًا مغمورًا وجريدة غير مقروءة، وذلك بسبب القيود التى كبلت بها الدولة على مدى عدة عقود سابقة النظام الانتخابى، وسيطرة الحزب الواحد على مقدرات البلاد، وكنا نعتقد أنه قد مضت فكرة الحزب الواحد بغير رجعة فى النظام السياسى المصرى. ولكن هناك إرهاصات توحى بأن فكرة الحزب الواحد الحاكم تحاول العودة والسيطرة على الحياة السياسية بحيل عديدة ومختلفة.


ويجب الاعتراف بأن الأحزاب السياسية تواجه العديد من التحديات التى تضعف دورها وتحيله إلى الزوال، ولعل أهم هذه التحديات هى القبضة الأمنية على الشباب بشكل عام وعلى شباب الأحزاب بشكل خاص وهذا كان له العامل القوى فى عزوف المواطنين من المشاركة فى الأحزاب أو حتى الإيمان بدورها المجتمعى لكن حالة الخوف من الحبس هى التى تسيطر عليهم، بالإضافة إلى إغلاق المناخ العام بشكل كامل، وتحويل فكرة المعارضة إلى فكرة تحمل فى طياتها اتهامات الخيانة والعمالة وانتشار مناخ الكراهية والتحريض على كل ما هو مختلف، بالإضافة إلى زرع الأذرع الأمنية داخل الأحزاب للنبش فيها والعمل على انقسامها ثم تدميرها. فنجاح الأحزاب يتوقف على الثقة المتبادلة بينها وبين النظام السياسى والتى تكاد تكون منعدمة فى مصر، ما يصعب أو يستحيل الوصول لبناء حياة ديمقراطية حديثة وسليمة.


***


فهناك وجهة نظر تقول إن الاندماج والائتلاف بين الأحزاب المتشابهة فى الفكر والبرامج يكون أفضل من الفرقة والخلاف؛ ذلك أن وجود عدد كبير من الأحزاب السياسية لا يعنى بالضرورة أن الظاهرة صحية، بقدر ما يعكس حالة الضعف والوهن الذى تشهده الساحة الحزبية المصرية. ولكن على أى أساس يقوم هذا الاندماج ؟ ومن الموكل له بالدعوة لاندماج الأحزاب نفسها أم قوة نظامية خارج هؤلاء الأحزاب؟ وما هو الوقت والتكتيك المناسب للاندماج؟


إن اندماج الأحزاب فى كيانات كبرى أمر اختيارى للأحزاب فقط لا غير لا يمكن أن يكون ذلك بقانون أو بقرار من لجنة شئون الأحزاب أو أى جهة أخرى سيادية أو تنفيذية.


إن الاندماج أمر اختيارى ويجب أن يبدأ بتحالفات أو ائتلافات انتخابية بين الأحزاب ذات التوجهات والبرامج المتشابهة، مع العلم أن وجود عدد كبير من الأحزاب لا يمثل مشكلة وأمر صحى إذا كانت قادرة على العمل، لأنها نشأت وفقا للدستور والقانون.
وفى الوقت الحالى تتصاعد فى مصر وتيرة دعوات إلى اندماج الأحزاب السياسية، بدعوى «تعزيز التعددية والممارسات الحزبية»، مقابل مخاوف من تداعيات احتمال إحياء تجربة «الحزب الحاكم»، التى عانت منها البلاد لعشرات السنوات. بعد دعاوى انضمام حزب مستقبل وطن بكيانات سياسية أخرى غير محسوبة بشكل أو بآخر على الحزب الحاكم.


ولكن مثل هذه الدعوات تواجه معضلة قانونية للأحزاب الممثلة فى البرلمان تتمثل فى الحاجة إلى إدخال تشريع على لائحة البرلمان بشأن «الصفة الحزبية» للنائب. حيث ينص قانون مجلس النواب على أنه: «يُشترط لاستمرار عضوية أعضاء المجلس أن يظلوا محتفظين بالصفة التى تم انتخابهم على أساسها، فإذا فقد أحدهم هذه الصفة، أو إذا غَيَّر العضو انتماءه الحزبى المنتخب عنه أو أصبح مستقلًا، أو صار المستقل حزبيًا، تسقط عنه العضوية بقرار من المجلس بأغلبية الثلثين».


بناء على ذلك أنه «من غير الممكن دستوريًا حاليًا تنفيذ الدعاوى المنتشرة عن تحويل ائتلاف دعم مصر إلى حزب لاعتبار الصفة الحزبية لنواب الائتلاف». وهناك مخاوف من أن يكون الهدف الحقيقى للدعوات لاندماج الأحزاب هو البحث عن فرص لتحول ائتلاف دعم مصر بدمجه فى حزب مستقبل وطن إلى حزب سياسى يُطرح كظهير سياسى داعم للسلطة التنفيذية للبلاد متمثلة فى رئيس الجمهورية.


وهذه المخاوف تنتشر بالرغم من وجود نص دستورى واضح وصريح ينص على «أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة».


***


ويبقى السؤال فى صالح من هذه الدعوة للاندماج فى هذا التوقيت؟


وهل الاندماج الحزبى أمر اختيارى للأحزاب المتوافقة المتشابهة أم أمر إجبارى يفرض عليهم فى ظرف ما؟


إن الأحزاب السياسية فى مصر لم تصبح مؤثرة بهذه الطريقة العشوائية، الأحزاب السياسية تفعل بفتح المجال العام وإتاحة الفرصة لها بالعمل دون قيود، ولا تحاصرها الأجهزة الأمنية المختلفة. ولا تنتعش الأحزاب بتعليمات فوقية ولا تبدأ من القمة إلى القاع ولكن الأحزاب تقوم بتوافق شعبى أولا ثم تختار قيادتها كما فى العالم كله.


ولكن أن نسمع عن تحالفات سياسية بين أحزاب سياسية ذات توجه سياسى واحد فتندمج معا، هذا لم يؤد إلى حياة حزبية سليمة بل يؤدى إلى شكل ديمقراطى ديكورى فقط.


وقد جربنا هذا النمط عندما انتقلت نفس الوجوه من الاتحاد القومى إلى الاتحاد الاشتراكى إلى الحزب الوطنى ثم الآن بنفس الأسلوب يتجهون إلى حزب مستقبل وطن.


دعوا الأحزاب تعمل بحرية تنتعش الحياة السياسية فى مصر.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved