عن أهمية التفكير النقدى


قضايا تعليمية

آخر تحديث: الإثنين 27 فبراير 2017 - 10:45 م بتوقيت القاهرة

نشر موقع The Chronicle of Higher Education الأمريكى، المتخصص فى القضايا التعليمية مقالا لـ«روب جينكز» الأستاذ الجامعى حول التفكير النقدى ومتطلباته، وضرورة قيام الأساتذة الجامعيين وكل من يتولون مهمة التدريس بنقل ذلك التفكير وإكساب مهاراته إلى الطلاب خلال قاعات الدراسة.

يستهل «جينكز» المقال بأنه كلما تقدم به العمر وتوغل أكثر وأكثر فى مهنة التدريس (وهو الآن فى عامه الـ32) أصبح أكثر اقتناعا بأن أهم وأفضل شىء فى هذه المهنة يتمثل فى بذل الجهد من أجل مساعدة الطلاب لكى يتعلموا ويتمكنوا من كيفية التفكير لأنفسهم ومستقبلهم. ذلك الحديث يقود إلى التفكير النقدى وأهميته وللأسف على الرغم من أن ذلك يعد ركنا رئيسا لابد من تعليمه للطلاب فإن ما يحدث كثيرا هو عدم اهتمام المعلمين بتزويد الطلاب بالمهارات اللازمة التى تمكنهم من القدرة على التفكير النقدى. لهذا فقد اعتاد ــ الكاتب ــ خلال أول يوم دراسى بالجامعة أن يتطرق فى أول حديث لطلابه عن التفكير النقدى؛ ما هو؟ ولماذا يحتل أهمية؟ وكيف يمكن للطلبة تعلمه واكتساب مهاراته؟.

يتطرق المقال إلى إحدى المناقشات التى درات بين الكاتب ــ كأستاذ جامعى ــ وطلاب الدراسات العليا والأساتذة المقبلين على التدريس، أملا فى تطبيق بعض من ذلك من قبل الأساتذة الجامعيين وكل من سيسلك مهنة التدريس مع طلابهم خلال قاعات الدراسة.

بات يستخدم مصطلح «التفكير النقدى» على نحو مفرط للغاية وبخاصة هذه الأيام إلى حد وصل إلى عدم معرفة ما يعنيه ذلك المصطلح على وجه التحديد، فقد أصبح مجرد شعار تعليمى، حتى وصل الأمر إلى أن من يستخدمونه أصبحوا لا يعرفون ما يعنيه ذلك المفهوم حقا.


***
يؤكد الكاتب أنه إذا تمكن من الاجتماع بعدد من المعلمين فى إحدى قاعات الدراسة ــ من رياض الأطفال إلى الجامعة ــ وألقى سؤالا حول ما يمكن أن يفعلوه من أجل مساعدة الطلاب ليتعلموا بشكل أفضل، فلابد أن أحدهم خلال ثوان قليلة سيقول إنه يعرف بالفعل ما يمكن عمله وذلك بأن يعلمهم التفكير النقدى، بعدها يتوقع أن يضيف شخصا آخر أن «هذا جيد للغاية سأسجل ما تم التوصل إليه» ومن ثم سيضعون كل ذلك فى قائمة، ولكن بعد انتهاء هذه المناقشات لن يأخذ أى منهم خطوات ملموسة ولن يتغير من الأمر شىء.

بعيدا عن كل ذلك فالتفكير النقدى يعد أمرا مهما للغاية للإنسان من أجل فهم ما يعنيه حقا وكيفية تطبيقه، فحتى النجاح فى الدراسة والحياة المهنية يرتبط به كثيرا، ناهيك عن الحياة عموما وأهميته لها.

لاشك أن قيمة التفكير تزداد أهمية خاصة فى ظل العيش داخل مجتمعات ذكية ــ متقدمة تكنولوجيا ــ تصعِّب من هذه المهمة؛ فالبيئة المحيطة باتت ميسرة على جميع الأصعدة؛ الطعام يتم طهوه بالميكروويف، وسائل الترفيه كلها فى متناول الجميع وبين أصابعهم وأجهزتهم الذكية، حتى إذا أراد الفرد الذهاب إلى مكان ما فهناك الـGPS ــ نظام تحديد المواقع ــ الذى يقوده إلى حيث يريد. لكن لابد من التأكيد على أن ذلك ليس سيئا تماما، بل إنه يساهم فى توفير الكثير من الوقت، وعلى الرغم من أنه قد وفر الوقت وربما مهَّد لاستخدام العقول فى مهام أكثر تعقيدا، فإن ما حدث جعل الكثيرين يعتادون على عدم استخدام عقولهم على الإطلاق حتى باتت أدمغتهم فى سبات عميق.

فى الواقع تتطلب عملية التفكير التعرض إلى أحد الأمور العميقة كثيرة التفاصيل، كالقراءة المتأنية على سبيل المثال أو ملاحظة أحد الأمور. ويتبع ذلك الجمع والفحص ثم تقييم الأدلة ومن ثم التشكيك فى الافتراضات، عقب ذلك يتم صياغة الفرضيات وبعد ذلك اختبار مدى صحتها، مما يؤدى إلى الوصول إلى نتائج وحجج واضحة وموجزة، كما أنها تعد سببا جيدا للتحول من الحديث عن التفكير النقدى بشكل نظرى إلى التطبيق العملى.

***
يوضح «جينكز» أنه لكى يستطيع الفرد التفكير بشكل نقدى فلابد أن يكون موضوعيا، ولكن لأنه من غير الممكن أن يكون أى إنسان ــ بعواطفه وانفعالاته ومعتقداته ــ موضوعيا أو غير متحيز بشكل كامل، فيمكن تحقيق ذلك قدر المستطاع ولو بدرجة قليلة. أن يكون الفرد ذا تفكير نقدى فعليه أن يكون لديه نظرة تحليلية؛ ليكون قادرا على النظر إلى مشكلة أو سؤال ما ومن ثم تفكيكه وتحليل جميع الأجزاء المكونة له، كما يحاول الكيميائى مثلا تحليل المكونات التى يتألف منها مركب ما. أو كما يفكر الناقد الفنى ما الذى يجعل مستوى أحد الأفلام جيدا أو سيئا أو متوسط، هل التمثيل أم الإخراج، أم النص، أم صناعة السينما كلها مجتمعة؟.

استكمالا لذلك فلكى يكون الفرد ذا تفكير نقدى فلابد أن يكون قادرا على فصل عواطفه تماما عن أى قرارات سيتم اتخاذها، هذا لا يعنى أن العواطف سيئة، بل ربما هناك بعض القرارات يجب كبشر أن نجعلها تستند أولا إلى العواطف، لكن هناك مواقف أخرى تستدعى قرارات عقلية فقط منزهة تماما عن أى عواطف ومشاعر. لكن فى الحياة المهنية خاصة لا يمكن اتخاذ قرارات معتمدة بشكل أساسى على المشاعر، فالبشر لا يمكنهم الوثوق تماما بمشاعرهم وعواطفهم؛ فهى ليست بالضرورة ترتكز على الواقع ومتطلباته. فالعواطف والمشاعر متقلبة وغير متناسقة أحيانا وبخاصة مع تغير الحالة المزاجية، ــ مع فصول السنة مثلا، خلال اليوم، مع آخر أغنية سمعناها على المذياع، أو ربما بناء على آخر انتخابات رئاسية! بما أن العواطف والمشاعر لا تعتمد على أسباب واضحة وثابتة فهى تعد خيارا فقيرا للغاية وأساسا هشا لا يمكن الاعتماد عليه لاتخاذ القرارات.

***
يختتم الكاتب بالتأكيد على أن التفكير يتطلب التدرب على تنحية العواطف جانبا، وذلك يتطلب قدرا كبيرا من الانضباط، فأولا وأخيرا نحن بشر؛ مخلوقات عاطفية فى المقام الأول، فالهدوء والعقلانية فقط لا يتسقان والطبيعة البشرية، لهذا على البشر تدريب أنفسهم جيدا على ذلك التفكير الذى يُبعد المشاعر والعواطف قليلا. ولا أفضل من قاعات الدراسة للتدريب على مثل ذلك التفكير؛ حيث التعرض لجميع أنواع الأفكار والمعلومات والمواقف، التى قد تتوافق أو تتعارض مع اختيارات الأفراد وميولهم.

النص الأصلى 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved