حول زيارة أوباما وأقواله

طلال سلمان
طلال سلمان

آخر تحديث: الأربعاء 27 مارس 2013 - 8:00 ص بتوقيت القاهرة

كشفت زيارة الرئيس الأمريكى باراك اوباما لإسرائيل سقوط «العرب» من الذاكرة السياسية لدول العالم، الكبرى أساسا، وتحول دولهم عموما إلى «محميات» أو إلى «ملحقات» بالغير، أو إلى جزر معزولة متروكة لقدرها.

 

لقد فقد العرب موقعهم المؤثر ليس فقط على القرار السياسى الدولى بل أساسا على ما يتصل بقضاياهم القومية كما بشئونهم المحلية المباشرة.

 

لم يعد «العرب» موجودين، بالمعنى السياسى، لا كمجموعة ذات دور فاعل، أو قوة تأثير، حتى فى ما يتصل بأمنهم القومى أو بدورهم فى العالم، ولا كدول ذات هوية محددة تجتمع على الحد الأدنى من المصالح المشتركة، أو على مواجهة مخاطر الانقراض وافتقار القدرة على حماية الذات، فضلا عن التأثير على القرار الدولى المتصل بشئونهم.

 

ولعل زيارة الرئيس الأميركى قد أكدت ــ مجددا ــ أن الإسلام السياسى قد أنجز مهمته التاريخية: محاولة طمس الهوية الجامعة بين الدول العربية، وتظهير الخلافات بين القوى الحية فى المجتمعات العربية عن طريق إعلان حرب مفتوحة بين الإسلام والعروبة ستنتهى بتدميرهما معا، بحيث تجرد هذه المنطقة الممتدة بين المحيط والخليج من هويتها عبر تسميتها الجديدة: «الشرق الأوسط الجديد».

 

وليس فى «الشرق الأوسط الجديد» إلا دولة مركزية واحدة هى إسرائيل، ومجموعات من القبائل والطوائف والمذاهب والاثنيات المتصارعة، والتى عليها أن تقتتل دون أن تؤثر على مصادر الطاقة، إنتاجا ووسائل مواصلات بحرية وبرية.

 

•••

 

لم يفعل باراك اوباما فى خطبه كما فى وقوفه أمام المقدسات السياسية لدولة يهود العالم إلا توكيد التسليم بالشراكة الكاملة مع إسرائيل، باعتبارها الدولة المركزية لهذا الإقليم، مع لفتات تعاطف إنسانى مع تلك الأقلية العربية فيها، التى كانت صاحبة الأرض التى اسمها فلسطين، وأن لها أن تنسى التاريخ والجغرافيا وتتأقلم مع واقعها الجديد.. وسوف لن تبخل عليها واشنطن بما يسد الرمق، على أن تبقى منقسمة إلى حد المخاصمة: فالفلسطينيون ممن صاروا «رعايا» من الدرجة الثالثة فى دولة يهود العالم هم «إسرائيليون»، ومن فى الضفة الغربية هم «فلسطينيو» الدولة التى لا أرض لها، أما فى غزة فهم «جماعة حماس» التى لا يمكنها أن تعوض غياب المركز ولا بوسعها أن تجسد القضية بأصلها وثوابتها.

 

يكفى الالتفات إلى الاختلاف الفاضح بين خطاب الرئيس الأمريكى فى جامعة القاهرة أثناء زيارته مصر فى حزيران ــ يونيه ــ 2009 ومضمون خطبه المكتوبة أو تعليقاته المباشرة وإشاراته خلال زيارته الأسبوع الماضى إلى إسرائيل، للتثبت من عمق اختلاف مواقف اوباما اليوم عنها فى زيارته الأولى إلى المنطقة العربية.

 

فى القاهرة، قبل أربع سنوات، كان باراك اوباما مبشرا بعهد جديد فى العلاقات الدولية عموما، مذكرا بأصوله الأفريقية وبوالدته المسلمة ونشأته فى اندونيسيا، لكى يؤكد تفهمه لضرورة بذل الجهود من أجل تسوية عادلة للمسألة الفلسطينية، ومن ثم لعلاقات طبيعية مع الدول العربية خصوصا والعالم الإسلامى عامة.

 

أما فى إسرائيل التى جاء لزيارتها وحدها، باعتبار أن الأردن «حديقتها الخلفية» كما كان يقول بعض أسلافه، فقد تحدث باراك اوباما عن «تحالف لن ينكسر»، وجال على أضرحة مؤسس الفكر الصهيونى هرتزل وبناة الدولة الإسرائيلية من بن غوريون إلى اسحق رابين وغيرهما وكأنهم من أبطال الاستقلال الأمريكى.

 

بل إن اوباما قد تجاوز نتنياهو فى حديثه عن أهمية إسرائيل وخطورة دورها باعتبارها الوجه الآخر للولايات المتحدة الأمريكية، وكاد يختصر فيها المنطقة جميعا، فى حين كان نتنياهو يتعهد فى خطابه أمام الكنيست بالحفاظ على إسرائيل الدولة الواحدة الموحدة، مؤكدا أنه سيعيد طرح مشروع القانون الدستورى الذى يعتبر إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودى ويلزم المحكمة الدستورية العليا أن تحكم لصالح يهودية الدولة.

 

 تصرف اوباما على أساس أن إسرائيل هى الشرق الأوسط الجديد، جميعا، وبرغم ذلك لم يكن قادة الكيان الصهيونى «لائقين» معه.. وعامله نتنياهو وكأنه آت لطلب المغفرة، ويكفيه أن يأكل الفلافل والحمص بطحينة باعتبارهما من أساسيات المطبخ الإسرائيلى.. ثم يجول فى «المحمية الفلسطينية» للتأكد من الفوارق الحضارية الهائلة بين الحضارتين، وانعدام التأثير العربى على المشروع الإسرائيلى بتهويد القدس المحتلة، وتخلى عرب النفط خصوصا عن كل ما يمكن أن يستفز «أقوى دولة» فى المنطقة، بدليل موقفهم من الحرب الإسرائيلية على غزه، وكذلك بالتنكر لالتزاماتهم بتأمين الأموال اللازمة للسلطة الفلسطينية كى توفر الطعام لشعبها وليس السلاح لتحرير الأرض.

 

 هو «التحالف الذى لن ينكسر»، إذن بين أمريكا وإسرائيل، والشرق الأوسط ليس إلا إسرائيل.

 

لم يشر باراك اوباما، ولا نتنياهو، بكلمة إلى «الربيع العربي» والى دور «الإسلام السياسى» الذى قفز إلى السلطة فى أكثر من دولة عربية، وإن كانت نتائج ذلك كله قد تبدت واضحة فى الاطمئنان الذى تعيشه إسرائيل بحيث خلت الخطبة من النبرة الدفاعية عن الدولة المهددة، وقدمت بديلا منها الدولة القادرة والمؤهلة والمستعدة للهجوم على إيران استكمالا للهيمنة على المنطقة جميعا.

 

على أن «مبادرة اوباما» لمصالحة إسرائيل مع تركيا، بوصفها الدولة ــ النموذج للإسلام السياسى كانت ذات دلالة: فارتباط تركيا بالقرار الأمريكى، وعلاقة تركيا بإسرائيل، هى من الثوابت فى منهج الإسلام التركى.

 

على أن الأخطر فى «شئون الاعتماد» أن يكمل الإسلام السياسى ما باشره حكم الاستبداد، أى مواجهة العروبة وإنكار دورها كهوية أصيلة لهذه الأرض وشعوبها، وشطب فلسطين كقضية جامعة، من والاها فهو الصديق، ومن حاول تقزيمها تمهيدا لمحوها من الذاكرة قبل الخريطة فهو العدو.

 

 

ومن خلال زيارة باراك اوباما لإسرائيل، وتصريحاته فيها، وجهده فى مصالحة نتنياهو مع بطل النموذج الناجح للإسلام السياسى ورئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، تأكد انه لا حاجة لبطل عربى للإسلام السياسى، خصوصا وأن رموزه، فى مصر وتونس فضلا عن ليبيا، وقبل الوصول إلى «مجاهديه» فى سوريا، ليست مشجعة فضلا عن أنها ليست كفؤة بدليل تخبطها فى الحكم الذى تيسر لها الوصول إلى سدته فى لحظة قدرية.

 

بل إن باراك اوباما تصرف، عبر زيارته لإسرائيل وخطبه ولفتاته فيها (ومجاملاته فى رام الله) وكأن لا عرب فى منطقة الشرق الأوسط.. وشطب هوية المنطقة يبدو مقصودا ومخططا له لكى تصبح إسرائيل، هى «الدولة»، وهى «المركز» والباقى «ملحقات»... وطالما لا عرب فلا شعب فى فلسطين بل جالية أجنبية أو ضيف ثقيل على دولة يهود العالم.

 

ولم يكن ممكنا أن تتم مثل هذه التصرفات النابية لو أن «العرب» حاضرون فى ذهن اوباما، أساسا، ومن بعده فى ذهن نتنياهو.

 

•••

 

يمكن القول إن اوباما قد أفاد من غياب مصر العالقة فى براثن التنظيمات الإسلامية، إخوانا وسلفيين، وهو غياب أفقد «الوطن العربي» مركزه.. وكذلك من غياب سوريا الغارقة فى أزمتها الدموية التى تكاد تذهب بها كدولة ــ مفتاح فى المشرق العربى، ومن غياب العراق الدولة التى كانت مهابة وقادرة على لجم الاندفاعات الهوجاء للمسئولين فى الجزيرة والخليج تحت ستار الخوف من إيران.

 

باختصار، فإن الإسلام السياسى الذى وصل إلى السلطة فى بعض الدول العربية هو إسلام مدجن وعاقل وناطق بالإنكليزية.. وغالبا ما يلتبس عليه الأمر فى النظر إلى إسرائيل إذ يرى فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

هل يفسر هذا كله تصاغر الرئيس الأمريكى باراك اوباما أمام إسرائيل واندفاعه إلى نفاق نتنياهو بهذا الشكل النافر؟!

 

لعله افترض أن العروبة باتت من الماضى، وأن الإسلام السياسى لا مستقبل له إلا كتابع، قراره فى واشنطن، واستطرادا فلا يمكن أن يكون معاديا لإسرائيل، وبالتالى فقد تعامل مع نتنياهو بوصفه الرجل الأقوى «فى هذه المنطقة»، وصاحب القرار فيها سلما وحربا.

 

هل صار الشرق الأوسط إسرائيل فقط ومعها بعض المحميات التى كانت عربية فخرجت من العروبة وعليها إلى التيه بالشعار الإسلامى تحت العلم الأمريكى؟

 

 

 

رئيس تحرير جريدة «السفير» اللبنانية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved