عن معضلة الاستثمار

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

آخر تحديث: الإثنين 27 يونيو 2016 - 10:10 م بتوقيت القاهرة

يؤسفنى أنه برغم ما يردده المسئولون عن أهمية الاستثمار وضرورة زيادته وتحسين المناخ المحيط به، فإن مصر اليوم ليس لديها سياسة استثمارية واضحة ولا رؤية بشأن المسار الاقتصادى عموما بسبب الاستمرار فى تنفيذ خطط وبرامج لم تحقق نجاحا طوال العامين الماضيين. والنتيجة هى استمرار ضعف معدلات الاستثمار والإنتاجية والتشغيل والتصدير، وعزوف المستثمرين عن زيادة نشاطهم فى مصر برغم ما أتاحه لهم انخفاض سعر العملة الوطنية من فرص لإنشاء مشروعات جديدة أو الاستحواذ على أصول وشركات قائمة. وفى تقديرى أن وراء الاضطراب فى السياسة الاستثمارية العوامل الآتية:

 

أولا) غياب سياسة اقتصادية واضحة المعالم والتوجهات على نحو ما عبرت عنه التناقضات فى برنامج الحكومة المقدم إلى البرلمان فى نهاية شهر مارس الماضى ومشروع الموازنة العامة المعروض عليه هذا الأسبوع والسياسات القطاعية، التى تتبعها الوزارات المختلفة. لا يتضح مما سبق إذا كانت الدولة تنتهج سياسة توسعية أم تقشفية، تعتمد على استثمار القطاع الخاص أم القطاع العام، تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية أم تسعى لزيادة النمو الاقتصادى أولا، تستهدف جذب الشركات الدولية الكبرى أم تشجع المشروعات الوطنية الصغيرة والمتوسطة. بل الواقع أن المتابع للشأن الاقتصادى يلمس تناقضا فى تصريحات المسئولين فى قضايا محورية، مثل طرح أسهم الشركات المملوكة للدولة للبيع، والسياسات الضريبية المتوقعة، ووسائل تمويل عجز الموازنة، والإصلاحات التشريعية المطلوبة. هذا الغموض فى السياسة الاقتصادية يضر ويعطل التنمية الاقتصادية لأن المستثمر الكبير والصغير على حد سواء قادر على التأقلم مع معطيات محددة واستيعاب تكاليف وأعباء معروفة مسبقا، ولكنه لا يستطيع التعامل مع حالة الغموض التى تمنع التخطيط والاستعداد للمستقبل.


ثانيا) اتساع الدور الذى تقوم به الدولة ــ بما فى ذلك الأجهزة الهندسية للقوات المسلحة ــ فى المجال الاقتصادى وعدم وجود ضوابط محددة لذلك أو شفافية كافية. وبرغم أننى من حيث المبدأ لست ضد تدخل الدولة فى المجال الاقتصادى حينما تمارس دورا تنمويا أو تنهض بأنشطة وخدمات لا يقدر القطاع الخاص على القيام بها أو يحتاج المواطنون فيها للحماية من الاستغلال، فإن تدخل الدولة اليوم فى كل كبيرة وصغيرة، وقيامها بمزاحمة القطاع الخاص حتى فى المجالات التى تتمتع باستقرار نسبى، وإضافة طاقات جديدة، حيث توجد زيادة فى القدرة الإنتاجية عن الطلب الحالى، كل هذا يبعث على القلق من أن تكون الدولة مدفوعة بالرغبة فى السيطرة والتحكم وليس بسياسات اقتصادية واجتماعية محددة، وأن يؤدى تدخلها على هذا النحو إلى المزيد من تعطيل الطاقات القائمة وتآكل القدرة التنافسية وغلق المصانع وتهديد مستقبل العاملين فيها.

ثالثا) المضى فى سياسات تؤدى إلى مزيد من الزيادة فى الدين العام الخارجى والداخلى معا بكل ما يحمله ذلك من مخاطر لزيادات مقبلة فى الأسعار وتحميل الأجيال المقبلة بأعباء ثقيلة. وفقا لمشروع الموازنة العامة المعروض على البرلمان فإن حجم الدين العام سوف يصل إلى 3.1 تريليون جنيه، وهو يكاد يساوى ما ينتجه الاقتصاد القومى خلال العام، أما عجز الموازنة فتستهدف الحكومة الوصول به إلى 319.5 مليار جنيها بما يساوى 9.8٪‏ من الناتج المحلى الإجمالى وتمويله بمزيد من الاقتراض. وبينما لا يزال الدين الخارجى يعتبر فى مجال آمن بالمعايير الدولية إذ يبلغ نحو 16.5٪‏ من الناتج المحلى الإجمالى، إلا أن زيادته خلال عامين فقط بنحو 14%، وذلك دون احتساب الدين المتوقع من محطة الضبعة النووية والمشروعات الحالى الاتفاق عليها هذا العام، تدق ناقوس خطر لا ينبغى تجاهله.


رابعا) الإصرار على المضى قدما فى تنفيذ مشروعات قومية عملاقة، بعضها قد يكون ملحا ومفيدا كما هو الحال مع مشروع تطوير منطقة خليج السويس، وبعضها غير عاجل مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومعظمها غامض ولا تتوافر بشأنه شفافية كافية فيما يتعلق بالتمويل والملكية والعائد الاقتصادى والاجتماعى. وبينما يعانى المجتمع من حاجة شديدة للاستثمار فى مجالى التعليم والصحة وفى تطوير المناطق العشوائية والمدن القائمة وفى رفع كفاءة الخدمات العامة التى يحتاجها المواطنون فى مجالات النقل العام والصرف الصحى والرى، فإن الدولة تضع جل اهتمامها ومواردها المحدودة فى المشروعات الكبرى الجديدة والتى قد يكون لها فائدة على المدى الطويل ولكنها لا تمثل بالضرورة أولوية ملحة فى الوقت الراهن.

خامسا) تجاهل ما يعانى منه المستثمرون، وخاصة صغار الحجم والبعيدين عن اهتمام الدولة وأجهزة الاعلام، من توغل للبيروقراطية وانتشار الابتزاز والتهديد والاستغلال من جانب الأجهزة المحلية وعشرات الجهات الحكومية التى تعرقل النشاط الاقتصادى وتتدخل فيما لا يعنيها وتضيع طاقة وجهد الراغبين فى العمل والإنتاج. أما الحديث عن إعادة تصحيح وتعديل قانون الاستثمار مرة أخرى، والذى فسد بالتعديلات التى أدخلت عليه فى مارس ٢٠١٥، فلن يكون مجديا طالما استمرت الدولة فى تجاهل المشكلات الحقيقية، التى يعانى منها المستثمرون، وعلى رأسها اضطرب سوق الصرف، وبطء التقاضى، وعدم وضوح الضوابط الاستثمارية للأنشطة المختلفة، وصعوبة الحصول على الأراضى، وغيرها.


نحن أمام وضع اقتصادى شائك وخطير، وما يدفع العجلة الاقتصادية للاستمرار فى الدوران والإنتاج وتوفير الموارد والدخول هو الاقتصاد غير الرسمى الذى انتعش فى السنوات الأخيرة، ولكنه على المدى الطويل لن يساعد على تحقيق تنمية اقتصادية عادلة ومستدامة. والوقت حان لكى تعيد الدولة حساب أولوياتها وتفتح بابا للحوار والتفاهم والتعاون مع قوى المجتمع من القطاع الخاص وجمعيات المستثمرين والأحزاب والنقابات والجامعات وغيرها وإدارة المصالح المتعارضة بطبيعتها فى المجتمع، لكى يمكن البدء فى الخروج من المأزق الراهن.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved