القدس بين الدينى والسياسى

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الخميس 27 يوليه 2017 - 8:45 م بتوقيت القاهرة

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتبة «فاتنة الدجانى» ــ جاء فيه أن من مفارقات الأزمة الراهنة فى المسجد الأقصى المبارك ذلك القلق الإسرائيلى من انتفاضة فلسطينية تأخذ بعدا دينيا، خصوصا عندما يأتى هذا القلق من دولة تأسست على ادعاءات توراتية لم يَثبت لها أساس، لا فى ما توصلت إليه الاكتشافات الأثرية القديمة أو الحديثة، ولا فى كتابات باحثين يهود معاصرين شككوا فى أساسيات الرواية اليهودية، فكيف إن كان عصب الحكومة الإسرائيلية الحالية عقائديا دينيا ممثلا بوزراء اليمين المتطرف والمستوطنين؟
ليس هذا للقول إنه لا يوجد فى إسرائيل من يعى عواقب استعداء مليونى مسلم واستثارة العقيدة الدينية للفلسطينيين، خصوصا فى ما له علاقة بأحد أقدس مساجدهم، المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، على رغم كل ما تبدى من تآكل التضامن الإسلامى فى «جمعة الغضب» أخيرا، بل المقصود أن هناك من لا يرغب فى خلط الأوراق فى هذا التوقيت بالذات حين تستعد الدولة العبرية لسلام إقليمى تتوقع أن يفتح أمامها أبوابَ العالميْن العربى والإسلامى، وأن تحجزَ لها موقعا متقدما فى جبهة محاربة إيران والإرهاب. فهل تغامر حكومة بنيامين نتنياهو بكل ذلك الآن بتحويل المعركة إلى حرب مع المسلمين؟
من منطلقات مختلفة، تحذر القيادة الفلسطينية وبعض الفصائل الوطنية والجامعة العربية أيضا من تحويل الصراع من سياسى إلى دينى، أقله خوفا من وصم النضال الفلسطينى بالإرهاب ووضعه فى سلة واحدة مع تنظيمات إرهابية مثل «داعش» وأخواته.
لكن المشكلة ليست هنا. مشكلتنا هى أن أى صراع دينى سينحصر حتما بالحرم القدسى الشريف أو ما تُطلق عليه إسرائيل «الحوض المقدس». وهذا خطير على رغم قدسية الحرم وأهميته، ففلسطين كلها محتلة، بقدسها ومدنها، وبمقدساتها الإسلامية والمسيحية.
هذا الفهم الدينى للصراع ربما يُفسر لماذا هبّ الفلسطينيون لنصرة الأقصى، لكن صمتوا ولم يتحركوا أمام مئات الإجراءات والقوانين الإسرائيلية لتهويد القدس، مثل قانون التسوية، والسرطان الاستيطانى، وتقطيع أوصال الأحياء العربية، وبيع أملاك الكنيسة الأرثوذكسية، وتشريع القدس الموحدة، ومنع غير المقدسيين من دخول المدينة، وسحب هويات سكانها، والقيود على البناء فيها وحصره فى «غيتوات»، وإخراج المناطق الكثيفة سكانيا من العرب خارج الجدار الفاصل.
ليس هذا فحسب، بل إن هذا الفهم الدينى نفسه قد يُفسر أيضا موجة الاحتفاء بتضامن المسيحيين ونصرتهم للأقصى، وكأنهم ليسوا فلسطينيين أو وطنيين، أو كأنهم لا يرون فى الأقصى رمزا وطنيا تماما مثل كنيسة القيامة.
ثم لنفترض أن الصراع دينيٌ، ألا يعنى صراعا بين ديانتين، الإسلام واليهودية، وبالتالى بين روايتين تتنازعان المكان نفسه والحق فيه. فإذا كانت هذه هى الحال، فما الذى سيمنع الضغط الدولى باتجاه حل وسط إما بتقسيم الحرم القدسى الشريف زمانيا أو مكانيا، أو أفقيا أو عموديا، بحيث يكون السطح للمسلمين وما تحت الحرم والحفريات لليهود؟
الصراع الفلسطينى صراع وجود ضد احتلال استيطانى كولونيالى، وهو صراعٌ سياسى بالدرجة الأولى تحميه قرارات دولية فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والهيئات والمؤسسات الدولية الأخرى، بما يحفظ تراكم المسيرة النضالية للفلسطينيين، ويوفر مخزونا قانونيا وسياسيا فى أى تحكيم مستقبلى لإنهاء الاحتلال.
والخطأ الأساسى الذى وقعت فيه السلطة الفلسطينية هو الموافقة على تأجيل البحث فى القضايا الأساسية إلى المرحلة النهائية من المفاوضات مع إسرائيل، ومنها قضية القدس، لتستغل إسرائيل الفرصة لفصل المدينة عن شمولية الحل وعن بقية الأراضى الفلسطينية، وبالتالى عن زخم الحركة الفلسطينية العامة.
معركة القدس ليست دينية بل سياسية. هى معركة تحرر وطنى وحق تاريخى. والحل هو الحل الشامل بحيث يُبحث مستقبل القدس فى إطار الانسحاب الإسرائيلى من كل الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن دون حلولٍ مجتزأة، لئلا تُختزل قضية القدس بـ«الحوض المقدس».

الحياة ــ لندن

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved