الإسلام كما أدين به 36ــ رأس المال والعمل البشرى

جمال قطب
جمال قطب

آخر تحديث: الخميس 27 أكتوبر 2016 - 9:54 م بتوقيت القاهرة

ــ1ــ

لو نظر الإنسان إلى نفسه وراجع تاريخه وتذكر علاقته العضوية بالأرض.. نعم العلاقة العضوية بالأرض.. لتبين أن جميع بنى الإنسان أصلهم جميعا هو الطين (الأرض)، كما قال تعالى: ((ولقدْ خلقْنا الْإنسان من سلالة من طين)). فالأرض هى المادة الخام التى خلق منها الإنسان.. وكل صنعة يتم صيانتها وتجديدها وإصلاحها من نفس المادة الخام التى خلقت منها، فالأرض هى مقر سكن الإنسان ومعاشه، وهى مصدر طعامه وشرابه، وهى مصنع ملابسه وأثاثه. والأرض هى المكان الوحيد الذى يشعر الإنسان بالاستقرار فوقها والأمان فيها، وذلك على العكس من مشاعر الراكب لجميع وسائل النقل، فالاستقرار والأمن أقل كثيرا مما يشعر به وهو على الأرض.

ــ2ــ

والخبرة الحياتية تعلم الإنسان مدى ارتباطه بالأرض، وما يمكن يضيفه من تفاعله معها فيغنى نفسه ويسعد غيره ويجدد فى موارد حياته. والأرض تتيح لنا التعامل معها أفقيا ورأسيا، فالعقل البشر قادر على الإحاطة بأطراف الأرض واستثمارها مقرا لإقامته ومصدرا لمتاعه وحصنا لأمانه ومعملا لإبداعه. ومهما تزايدت أعداد البشر بالمليارات فلم تشتكى الأرض ضيقا ولم تعلن ضجرها بزيادة السكان. لكن الأرض تشكو مر الشكوى من طغيان واستبداد بسبب تخريبها، ومن سياسات سيئة ومنحرفة تخليها من سكانها، ومن منتجات ضارة تفتك بأسباب الإعمار ومظاهر الحياة. بل إن الأرض تشكو مر الشكوى من هجرها وإخلائها وعدم التفاعل معها. فهل أعلنت الأرض إفلاسها وعجزها عن إطعام البشر والحيوان؟! لم يحدث قط. ولكن أعلن المفسدون فى الأرض حظر السكن ومنع الحركة وتجريم الإعمار، بل وتحطيم ما قد يصنعه بعض الناس. فلا يغرنك حال الأسواق وكمية المعروض، فذلك عجز من البشر وليس عجزا من الأرض أو تقصيرا منها.

ــ3ــ

وحينما نقول العمل هو الأصل وهو الأساس وهو محور التنمية والأمن والسلام، فإننا لا ندعو إلى عمل عشوائى، ولا لجهود فردية موزعة دون تخطيط أو جدولة أو بحث علمى.. فالعمل الإنسانى حتى يكون منتجا فهو بحاجة إلى تخطيط وتنظيم ومتابعة وتصحيح. وهذه خطوات تفوق طاقة الأفراد والعائلات بل والمؤسسات الخاصة مهما كان حجمها. فالعمل البشرى جماعى متعدد الاتجاهات، متكامل القدرات، متنوع العمليات. يتم تخطيطه وتنظيمه من قبل السلطة العليا «سلطة الدولة» معتمدة فى تخطيطها على إحاطة شاملة ودراسات واسعة وتقنيات حديثة ومصداقية شديدة تستقطب الشعب للثقة فيها والتعاون معها والالتحاق بها. كذلك فالعمل البشرى فى مسيس الحاجة إلى قناعة تؤكد لأفراد الشعب جدوى العمل والإنتاج وأنه يعود على الجميع وليس لفئة دون غيرها أو لحزب دون غيره.

ــ4ــ

وحينما يكرر القرآن عشرات المرات قول الله تعالى: ((..الذين آمنوا وعملوا الصالحات..)) فلا شك أنه يؤكد أن الإيمان وحده لا يكفى، بل لابد من إتباعه بأعمال صالحات تحدث للأرض إعمارا وللأوطان استقرارا. وللأفراد إشباعا واطمئنانا، والعمل الصالح الذى يعنيه القرآن يشترط فيه:
1ــ التزامه بأولوية حاجات الشعب من غذاء وكساء وعلاج.

2ــ التزامه بتقاسم الجهود وعدم التحلل أو التهرب منها.

3ــ التزامه ببرامج تعليمية تخدم مجالات العمل المتاح حولها.

4ــ التزامه ببرامج ثقافية تعيد للإنسان ثقته فى نفسه وكرامته.

5ــ التزامه ببرامج إعلام واعدة تهجر العبث والإغواء والتضليل.

6ــ التزامه ببرامج سياسية تزرع التنافس الحضارى فى نفوس المواطنين.

7ــ التزامه ببرامج إنسانية تؤكد مساواة جميع أنواع العمل الكريم بلا تمايز بين تخصص وآخر، فجميع التخصصات لازمة وضرورية بعضها لبعض. وإلا فلا عمل ولا إنتاج ولا أمن ولا استقرار!

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved